هادي والسادات

حيدرة محمد

لمقاربات الموضوعية المتوازية مع الاسقاطات التاريخية المتساوية للاحداث والنتائج السياسية وأن كانت مختلفة من حيث الظروف والمعطيات والحيثيات إلا أنها تلزمنا انتهاج نهج المقاربة النقدية لتقارب النتائج والاستنتاجات التي تصنع التجارب والمواقف والتي بدورها تصنع التاريخ ..


 


ادعاء الرئيس المصري الراحل "محمد أنور السادات "وموقفه السياسي في فترة مابعد حرب اكتوبر 73م شكل نقطة تحول مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أنتجت مرحلة السلام الأحادي الجانب مع دولة الكيان الإسرائيلي وهو مايعني سلام مصري إسرائيلي خارج عن سياق باقي الأطراف العربية والتي ظلت أراضيها محتله من قبل إسرائيل في ذلك الوقت .. ويزعم السادات أنه عرض على الفلسطينيين والاردنيين والسوريين القبول بعملية السلام والدخول في مسار المفاوضات مع إسرائيل برعاية امريكية من أجل استرداد الأراضي العربية المحتلة الى ماقبل تاريخ 5 حزيران يونيه 1967م ..


 


ولكن عرض السادات وتوجهه قوبل برفض عربي حاسم وقاطع  وشكلت جبهة "الصمود والتصدي" المناوئة لتوجه السادات .. ولكن السادات واصل المسير في طريقه وذهب إلى آخر الدنيا كما وصف إسرائيل وتحدث في الكينيست الإسرائيلي عندما شعر بأن حالة اللا سلم واللا حرب بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك قد تعيد نصاب الأمور إلى نقطة الصفر قبل حرب أكتوبر وإمكانيات ومقومات الجيش المصري الخارج لتوه من حرب ضروس مع الجيش الإسرائيلي لا تمكنه من خوض حرب أخرى ولذلك دفع السادات بكل قوه في تقديم التطمينات لاسرائيل على اثبات جديته وتدشين عملية السلام عبر زيارته لاسرائيل بايعاز امريكي وبوساطة الوسيط اليوناني ..


 


وابرمت اتفاقية كامب ديفيد 1978م بين مصر واسرائيل .. وفي العام 1981م اغتيل السادات ودفع ثمن ما يعتقده المعارضون له خيانة وعار لا يغسل إلا بالدم ..وفي عام 1986م استعادة مصر كامل ترابها الوطني ونعمت بالسلام واعاده بناء جيشها وحظيت بفترات استقرار سياسي مبكر بفضل حنكة ودهاء السادات العقل السياسي الذي تعامل مع التاريخ بكل واقعيه بغض النظر عن مسألة الجدل الفكرية والتاريخية حول شخصيته المثيرة للجدل .. ولكن في المقابل ما الذي فعله العرب الآخرون خصوم السادات على الضفة الأخرى ؟؟ ..


 


الاجابة لا شيء له علاقه بجبهة تصديهم وصمودهم وبل على العكس تناحروا وقتتلوا وصفوا الدم العربي العربي وجعلوا من لبنان ساحة حرب عربية عربية  وهي التي مهدت لإجتياحه وتصفيته فيما بعد عام 1982م تماما كما ادعوا أن السادات بقبوله عملية السلام قام بتصفية القضية الفلسطينية.. وبعد كل ذلك تقاطروا إلى حضيرة السلام تباعا الاردنيون وقعوا اتفاقية وادي عربه والفلسطينيون ابرموا اتفاق اوسلوا وكاد السوريون يوشكوا أن يوقعوا اتفاقا مع إسرائيل لولا تعنت الرئيس الراحل حافظ الأسد .. وجميعهم مجتمعين لم يكونوا ليقدموا على ما اقدموا عليه لولا أقدام السادات وقرانا وسمعنا بعد ذلك اقلاما واصواتا من معسكر معارضي ومناهضي السادات تعترف بأن السادات لم يكن أمامه من خيار ينقذ مصر وشعبها وجيشها في تلك الفترة العصيبة إلا خيار السلام وقد صنعه ..


 


الرئيس هادي يحاول أن يصنع السلام جاهدا في اليمن وأن كانت طبيعة هذا السلام طبيعة مختلفة عن السلام الذي صنعه السادات لمصر .. وذلك لأن خصوم هادي هم خصوم يمنيين يتساوون معه في الهوية والمواطنة غير أنهم لا يدينون له بالولاء ويمارسون سياسة "الاستقواء بالخارج" .. في حين أن هادي يختلف ويعارض ويناهض الخارج الذي يتحالفون معه عندما يمس الأمر سيادة وقرار الدولة اليمنية الضعيفة اليوم بفعل ارتهان بعض أطراف الصراع والحرب اليمنية اليمنية لإملاءات الخارج  على هادي وشرعيته ومشروعه الوطني .. والقواسم المشتركة بين تجربتي هادي والسادات تعزز من مضامين التشابه الموضوعي الأساس وذلك إذا افترضنا أن أطراف الصراع اليمنية يقومون مقام الأطراف العربية المعارضة للسادات في ذلك العصر وأن اختلفت الماهية والوضعية فالحوثيين والحراك الجنوبي بشتئ تكويناته وحزب المؤتمر وحزب الإصلاح جميعهم يختلفون مع هادي ولكن بنسب متفاوتة ومختلفة تختلف بين الحين والاخر .. وفي المقابل يتمسك الرئيس هادي برؤيته ومشروعه السياسي الذي توافقت عليه كل الأطراف الى قبل أن تنقلب عليه بعض تلك الأطراف وتعادي وتناهض مشروع الرئيس هادي وشرعيته الدستورية وتكرس الانقلاب الكامل على مشروع الدولة اليمنية الحديثة ..


 


قدم الرئيس هادي للحوثيين مالم يقدمه لهم أي رئيس يمني آخر واعطاهم الفرصة تلو الفرصة سعيا منه لاشراكهم في العملية السياسية ولكنهم أبوا إلا أن يتلقوا التعليمات من الخارج والذي يدينون له بالولاء المطلق  .. وكذلك هو عين السلوك العقلاني الواقعي الذي انتهجه هادي مع مكونات وفصائل الحراك الجنوبي قبل الحرب وبعدها وذلك عندما حث فصيل مؤتمر الجنوب على عدم الانسحاب من عملية السلام اليمنية الشاملة التي تبناها مؤتمر الحوار الوطني ولكن يبدو أن قيادة مؤتمر الجنوب لم تستوعب توجه هادي في ذلك الوقت مع ازدياد هجمات التخوين الشعواء لقيادة مؤتمر الجنوب من قبل باقي مكونات الحراك الجنوبي الأخرى الفاقدة للوعي والإدراك السياسي الحقيقي .. وماقدمه هادي للحراك الجنوبي ولعامه الجنوبيين بعد الحرب لم يقدمه لهم أي رئيس جنوبي آخر كذلك عندما افسح لهم الطريق واعطاهم المناصب والثقة من أجل بناء مؤسسات الدولة وتحديثها والاستعداد لأي مرحلة تحول قادمة تفضي إلى إقرار شكل ونظام الدولة اليمنية ولكنهم اضاعوها وذهبوا في اتجاه آخر يتعارض ويتنافى كليا مع توجه هادي .. وأن كان حزب المؤتمر جناح الرئيس السابق صالح التقط خيط الفرصة التي قدمها لهم الرئيس هادي مؤخرا وكذلك تماهي حزب الإصلاح مع شرعيته إلا أن كلا الطرفان يمتلكان من الوعي السياسي مايمكنهما من الوصول لتحقيق اهدافهما تحت سقف مشروع الدولة الحديثة..


 


وبرغم حجم الضعف الذي تعاني منه شرعية الرئيس هادي إلا أن بوادر إجماع وطني واعي بات يتشكل قدما على ضوء المتغيرات والتطورات التي تعصف بمستقبل ورؤية مشروع هادي ومعه كل القوى الوطنية المدركة لفداحة ماسينتج عن تقسيم اليمن وتمزقه إلى كانتونات ضعيفة شمالا وجنوبا .. وهو مايعني زوال هامش بقاء الدولة الوطنية وأن كانت ضعيفة ولكن خيار بقائها هو الضامن الوحيد لجمع شتات اليمنيين وتحديد مستقبلهم ومصيرهم .. وفي تقديري أن برغماتية وواقعية عقلية الرئيس هادي المتصلة بوعيه وتجربته على الصعيدين العسكري والسياسي في حياته المليئة بالتجارب وبتضافر جهود كل الوطنيين معه تؤهله أن يؤسس لمرحلة انطلاق يمنيه حديثه متى ماتخلت باقي الأطراف المناهظة له ولمشروعه ورؤيته السياسية للحل السياسي عن استقوائها بالخارج .. وهو الخارج الذي لم يستطع أن يتجاوز الشرعية اليمنية وطالما اصطدم بواقعية وعقلانية سادات اليمن !

مقالات الكاتب