عندما نتحدث عن الوطن

عبدالكريم السعدي

عندما نتحدث عن الوطن فإن من آداب الحديث أن نحتفظ بمفردات الخطاب الذي يبني هذا الوطن ولا يهدمه يلملم أشلاء هذا الوطن ولا يمزقه ، خطاباً يجعل من هذا الجنوب ملاذا آمنا لأبنائه لا معتقلاً محاطة بالأسلاك الشائكة.


الحديث عن الوطن بمفردات خطاب التخوين والإقصاء والتهديد والوعيد بالسحل والمحاكمات الصورية و بمفردات ثقافة (لا أريكم إلا ما أرى) هو حديث في ظاهرة الإرهاب وفي باطنه العذاب ولن يؤدي إلا إلى ضياع المزيد من فرص استقرار هذا الوطن.


الجنوب اليوم يحتاج إلى خطاب يعالج بثور جراحاته وينطلق من الدعوة للاعتراف بحق الجميع في هذا الجنوب مهما كانت المشاريع والقناعات التي يتبناها أي فصيل أو فرد جنوبي.


للجنوب أولويات لكي يعود وطنا يأمن فيه اهله على أنفسهم وعلى مستقبل اولادهم من تلك الأولويات التمثيل المتساوي لمحافظات الجنوب في أي كيان يحمل قضية الجنوب في هذه المرحلة ، ومن تلك الأولويات تثبيت مبدأ التعدد وتدوير السلطة وعدم الخضوع لسلطة الفرد أو الحزب الواحد أو المكون الواحد من خلال عملية ديمقراطية نقية وشفافة ، ومن تلك الأولويات ترك شعب الجنوب يقرر مصيره من خلال إشراكه في إستفتاء شعبي يعبر فيه عن إرادته ويضع حدا لمسيرة إلغاء هذا الشعب التي مازالت ممتدة منذ خمسينيات القرن الماضي ، ومن الأولويات أيضا الإتفاق على جنوب فيدرالي تحكم فيه كل محافظة نفسها وتتمتع بثرواتها من خلال نظام يحفظ للدولة مكانتها وهيبتها ، ومن الأولويات أيضا تفعيل مبدأ التصالح والتسامح بمفهومه الإنساني والقانوني والسياسي ووضع محاذير تمنع أي تجاوزات مستقبلية وأي مغامرات أو خطوات غير محسوبة العواقب.


بهذه الأولويات والخطوات فقط سيكون هناك جنوب له شأن ومكانة ، وبهذه الثقافة سيعود الجنوب عنصرا نافعاً في إطار الأمة التي ينتمي إليها ، ولن يعود الجنوب من خلال مفردات خطاب التخاذل والتنازل عن الحق والسيادة، ولن يعود الجنوب بمفهوم السياسة لدى بعض أهله والقائم على السفر والترحال بين مفردات خطاب التبعية والولاء تارة لأطراف محلية واخرى لأطراف إقليمية، ولن يعود الجنوب وكل مكون يعاني في إطاره معضلات صراع التخوين سواء في إطار قيادته أو اتباعه ، ولن يعود الجنوب بخطاب تأييد اعداء الأمة و التفريط بالثوابت ، ولن يعود الجنوب بحرب الاستقطابات المحمومة المسيرة بوقود المال الخارجي المعجون بالدماء الجنوبية الطاهرة ، ولن يعود الجنوب ومازال فيه من يرى أنه هو الوطني وغيره يحتاج إلى دورات تأهيلية في مجال الإخلاص للوطن ، ولن يعود الجنوب وأبناءه يتسابقون على بوابات السفراء الأجانب وخيام الدافعين وأولوياتهم الإساءة إلى بعضهم وتخوين بعضهم وإظهار مكامن ضعف بعضهم.

مقالات الكاتب