أنصف الشمال الجنوب، فهل سينصف الجنوب عدن وحضرموت!

بلا شك أن أتفاق الرياض خطوة مهمة في تفعيل عملية السلام في اليمن، وستدفعنا خطوات للأمام بعد ان تحولت الحرب لكارثة منسية ومعركة كسر عظم إقليمية. تحارب اليمنيون سنوات طويلة بعد الحوار الوطني، وها نحن اليوم نعود مرة أخرى لتلك الوثيقة الهامة التي صاغها كل اليمنيون وسط هامش كبير من الحرية وحماس كبير للتغيير بمشاركة الشباب. وعلى الرغم ان الحوار تخلله الكثير من التذاكي والفساد، ولكن يشفع له انه يمني خالص و تم قبل أن ننجرف للحروب والدمار. اليوم، وبعد ان اوغلنا في الحروب والدمار و الدماء، وتغيرت الكثير من موازين القوى، أكد الموقعون في الرياض ان مخرجات الحوار الوطني مازالت تمثل الحل الأمثل للجميع وبما فيهم المجلس الإنتقالي الذي نادى بإستعادة الدولة كما كانت قبل 90م. ولعل احد اهم المكاسب التي خرج بها المشاركون في مؤتمر الحوار في فريق بناء الدولة آنذاك هو التأكيد على مناصفة الحقائب الوزارية و الوظائف العليا في الدولة بين الشمال والجنوب. ولو نظرنا للأمر بشكل متجرد وبعين من الانصاف وبعيدا عن المزايدة، فإننا سنجد ان في هذا اجحاف كبير في حق الشمال الذي يمثل 80% تقريبا من سكان اليمن (في الداخل). لكن الشمال اعتبر هذه الخطوة مقدمة لإعادة جسور الثقة مع الجنوب بعد ان سُلب الجنوبيون الكثير من حقوقهم منذ حرب 94. وعلى الرغم ان عمليات السلب والاقصاء شارك بها جنوبيون أيضا من مختلف القوى السياسية حينها، لكن نخب الشمال ارادت من خلال هذه الفقرة جبر الضرر والاعتذار عن ممارسات الإقصاء واهدار الثروات والنهب التي لحقت بأراضي الجنوب في الفترات السابقة. وها نحن نرى اليوم الجنوبيون يتربعون على رأس معظم المؤسسات الرسمية دون أي تذمر يذكر من نخب الشمال.


اليوم يقع الانتقالي تحت اختبار كبير، وخصوصا بعد اللقاء النوعي لأبناء حضرموت في الرياض والتي ضم ممثلين عن معظم قبائل ووجهاء حضرموت وممثلين عن كل القوى السياسية من الحضارم، والذي وصفه البعض بأحد أهم اللقاءات بين أبناء حضرموت منذ ستينيات القرن الماضي. تحدثت تلك القوى بشكل واضح وصريح ان لحضرموت حقوق سياسية واقتصادية على كل اليمن وعلى الجنوب بسبب التهميش التي عانت منه منذ 67م. فبالمقارنة مع الأقاليم الأخرى تتميز حضرموت بكثافة سكانية، وشريط ساحلي كبير، ومساحة جغرافية تشكل 40% (تقريبا) من اليمن و تمتلك حدود سياسية مع اهم دول الإقليم، بالإضافية إلى غناها بالثروات الطبيعية على مستوى اليمن والجنوب. السؤال الأن، هل يستطيع قادة الجنوب اليوم ان يكونوا بشجاعة نخب الشمال وأن يقروا لحضرموت وعدن النسبة الأكبر من الميزانية المخصصة للجنوب بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الوظائف المخصصة للجنوبيين؟ اليس الجنوب معني أيضا بتصالح داخلي وبناء جسور للثقة بين ابناءه وخصوصا بعد ان بينت احداث الاقتتال الأخيرة في عدن ان عهود التصالح والتسامح اقتصرت على المسارح والمهرجانات فقط! أعتقد ان مظلومية عدن وحضرموت أن لها ان تحل بشجاعة من قبل قادة الجنوب اليوم في الانتقالي والشرعية، وان أي اهمال في هذا الشأن يمكن ان يدفع حضرموت لتبني خيارات مختلفة وهي كثيره نظرا للمقومات التي ذكرتها مسبقا. 


نتفهم ان الانتقالي سيأخذ بعض الوقت للتجاوب مع تلك المطالب، وخصوصا انه يعاني اليوم من ضغوطات كبيرة امام قواعده بسبب تراجعه عن السقف العالي الذي نادى به منذ تأسيسه، بالإضافة إلى دخوله معترك سياسي من نوع جديد مع نخب الشمال وهم ساسة مرنين ويفوقونه خبرة في العمل السياسي. في الحقيقية، فقد اظهر الانتقالي شجاعة وحكمة كبيرة بتوقيعه لاتفاق الرياض، والذي من خلاله سيكون احد الممثلين الرئيسيين للجنوب في أي مفاوضات سلام قادمة مع الحوثيين، وهو بلا شك يستحق ان يكون في هذا الموقع لتمثيله شريحة كبيرة في الجنوب. ونحن نشد على يد الانتقالي ونهنئه على شجاعته هذه، وخوضه معركة سياسية جديدة لصالح كل اليمنيين، ونشجعه للتعامل بإيجابية أكبر مع مطالب أبناء عدن وحضرموت المشروعة والمنطقية، وعليه ان يبتكر اكثر في استراتيجيته المستقبلية والتي قد تجعله يوما ما يقود اليمن الكبير للسلام والبناء والاستقرار!

مقالات الكاتب

في مثل هذا اليوم مات ابي!

في مثل هذا اليوم مات ابي! في هذه اللحظات كنت انا وهو في سيارة اسعاف وأنا اراه يصارع الموت ونحن متجهي...