لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
كان لعدن حتى الخمسينيات مدخل واحد أو بوابة واحدة، بالقرب من جبل حديد وميناء الجيش، الى كريتر والمعلا والتواهي التي يتواجد فيها مقر المندوب السامي البريطاني والمسؤولون وكبار رجال الأعمال وغيرهم من أبناء عدن والعرب والأجانب إضافة الى مقرات الشركات والبنوك.
كان الأمن يسود هذه المدينة المسالمة التي تعايشت فيها كل الجنسيات والقوميات والأديان من مختلف أنحاء العالم وقال عنها الأديب أمين الريحاني عند زيارته لها في العشرينيات من القرن العشرين:
"ففي عدن تجد المسلم الذي يصلي الى الله والفارسي الذي يصلي الى الشمس والبانيان الذي يصلي الى الأوثان والمسيحي مكرم الصور والصلبان والاسماعيلي صاحب الزمان واليهودي مسبح الذهب الرنان كل هؤلاء يتاجرون ولا يتنافرون ويربحون ولا يفاخرون والتاجر وطنيا كان أو أجنبيا لا يهمه غير الأمن والنظام".
كان من غير الممكن إدخال السلاح إليها، وكل من أراد أن يأتي بسلاحه من المحميات عليه ان يُسلّمه لباب السلب (بوابة السلاح) سواء كان بندقية أو مسدس أو خنجر أو سكين، ولا يدخل إلّا بعصاً إذا أراد ذلك. وكان السلاح داخل المستعمرة آنذاك هو العصا التي تستخدم أثناء الخلافات بين بعض المواطنين وتسمى في عدن بالباكورة التي يستخدمها بعض الشباب وكان أشهرهم آنذاك علي حيرو.
وقد اتسعت ونمت المدينة في الخمسينيات والستينيات وأُنشئت أحياء جديدة في خورمكسر والمنصورة والبريقة والشيخ عثمان وحتى مشارف دار سعد أو دار الأمير على حدود السلطنة العبدلية وفقاً لمخطط عمراني التزم به الجميع ولم يُسمح بالبناء العشوائي فيها. وبعد 1967 استفادت الدولة من هذا النظام وطورته بوضع خطة لتطوير العمران في المدينة حتى عام 1990م. وبعد هذا التطور الذي شهدته عدن في الخمسينيات انتقلت الحراسات من باب السلب الى نقطة العلم، على حدود السلطنة الفضلية، ونقطة نمبر ستة، التي تقع بين دار سعد والشيخ عثمان، ولم يكن أيضاً يُسمح بإدخال السلاح عبر هذين البوابتين الى المدينة.
وبقيام الدولة في الجنوب في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧ آلت كل الأسلحة التي امتلكها الثوار والفدائيين في عدن وجبهات القتال في الريف الى الدولة، ولم تشهد عدن منذ ١٩٦٧ وحتى عام ١٩٩٠ أي مظهر من مظاهر التسلح بين المواطنين، وحتى المسؤولين بما في ذلك محافظي عدن، فقد كان المحافظ في عدن يتحرك مع سائقه دون حراسة، لأن قوته كانت في قوة الدولة وهيبتها وهذا كان ينطبق على بقية المسؤولين في الدولة واللجنة المركزية ومجلس الشعب حيث لم تكن توجد حراسات معهم أو على منازلهم.
أما اليوم فقد أصبح المسؤولون يتحركون بالسيارات والمصفحات في مظاهر استفزازية للمواطنين في المدينة التي لم تعتد في كل تاريخها مثل هذه المظاهر المسلحة لإرهاب المواطنين والسطو على ممتلكاتهم والبسط على الممتلكات العامة والمنتزهات والمتاحف والموانئ في خرق فاضح وواضح ودون رادع أخلاقي أو انساني.
وقد تابعنا ما ينشر اليوم من مناشدات من أهالي عدن الطيبين المخلصين ومن منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتهم ابن عدن البار الأستاذ نجيب اليابلي الذي وجه أكثر من صرخة ضد ما أسماهم بالتتار الجدد الذين اعتدوا على المعالم التاريخية في عدن التاريخ والحضارة كصهاريج عدن وقلعة صيرة والمتحف الحربي وبستان الكمسري وحرمة المشافي والمدارس وحتى المقابر لم تنجو من هذه الانتهاكات الهمجية والمتخلفة. كما نشيد كذلك بجهود الشاب الرائع وديع أمان الذي يذود عن معالم وآثار عدن ورفع صوته هو وغيره ضد هذه الانتهاكات. ونحن بدورنا نتضامن مع دعواتهم لوقف هذه الانتهاكات في غياب الدولة خارج الوطن لأكثر من أربع سنوات، فعدن اليوم مدينة منكوبة بل وطن منكوب مزّقته الحروب في الماضي وآخرها حرب ٢٠١٥م.
لذلك يجب أن يرتفع صوت الجميع عالياً للمطالبة بوقف الحرب واستعادة الدولة ووضع حد لهذه الانتهاكات بحق عدن وأهلها الطيبين.