مقال ل محمد مرشد: دكتاتورية البلطجة والعربدة

دكتاتورية البلطجة والعربدة لها الكثير من التجليات في معظم المجالات أكانت إجتماعية او ثقافية او دينية او سياسية، هذه الدكتاتورية يمارسها من يمتلك أدوات تعبيرٍ أكثر فاعلية وضجيجاً ومواصلة وخرج عن دوائر الإحترام والذوق والأخلاق ليعمل عبرها على مصادرة ونهب حقوق الآخرين دون وجه حق وإن كانوا أكثر عدداً ووزناً والهيمنة على قرار الجماعة وإن كانت أغلبيتها ترفضه وتنبذه .


يتميز مثل هذا الديكتاتور بصوته العالي عن الآخرين من خصومه وأصدقائه، ويتمتع بشيء من الذكاء يوظفه لتجيير العقل الجمعي لصالحه ولمهاجمة الآخرين، وبذلك يستطيع إتقان فن التغرير بالآخرين، ومن هذا القبيل تراه يسوغ لنفسه ممارسات ضد خصومه وأصدقائه بهدف إضعافهم وإخافتهم وابتزازهم في ذات الوقت.


خطورة هذا النوع من الديكتاتورية والبلطجية تكمن في قدرة صاحبها على تحويل الوهم الى حقائق في العقل الجمعي وهو أسلوب فاعل وسريع في غسل أدمغة مجاميع من البشر التي تتأثر بما يقال ويردد الى مسامعها بل وتؤمن به إيماناً مطلقاً، فترى بينهم من يناصر ويؤيد سواء كانوا مقتنعون ومتقبلون بما قيل ويقال لهم او إنتهازيون يختبئون تحت مظلته لأسباب مختلفة، فالمترددون المحتارون بين الإنبهار بصوته العالي وتأثيره وبين سلوكه الذي ترفضه الأغلبيه هذه الإزدواجية تصب أحياناً في مصلحة ذلك الديكتاتور صاحب الصوت العالي لأنها تتحول لدى بعض هؤلاء المترددين الى ميول لمصلحته خلال وقائع وأحداث معينة لاسيما إذا كان خصومه لايحسنون إستقطاب المترددين، ويطلق على المترددين عادةً أصحاب المنطق الرمادي ، بينما هناك الرافضون المستسلمون الذين يعتبرون صاحب الصوت العالي قدراً مفروضاً يفوق قدراتهم على المواجهة وإن كانوا أكثر عدداً وعدة منه، لذلك يعملون على إتقاء مخرجات دكتاتوريته تحت عنوان المصلحة العليا للجماعة، على المستوى السياسي فإن صاحب الصوت العالي هو الذي يمتلك وسائل تواصل وإعلام ومتحدثين مكثرين ومهرجين وأموال ومجموعات ناشطة على الأرض تقوم بمهام الصنفرة والتجميل والتلميع لصورته السيئة وعناصر نافذة في مفاصل السلطة تعمل على قمع اي صوت معارض، وعبر هذه المأكنة الفاعلة المنظمة يوهم العالم بأنه يمثل الشعب او المحافظة او المديرية او المنطقة حصراً، وأنه صوت الجماهير ونبض الشارع وضمير الأمة، وأن ما يقوله هو التعبير الوحيد عن رغبات الناس وإرادتهم وتوجهاتهم وأنه هو الوطن والوطن هو، أما الذين يخالفونه فهم أعداء الشعب والوطن والأمة، بل هم مجرد أصفار أمام جبروته وسطوته الشعبيه وسموه الوطني، لكن صاحب الصوت العالي هذا يمارس في الواقع أبشع أنواع الدجل واقبح اساليب التزييف والبلطجة لأنه يصادر أصوات الأغلبية الساحقة من الناس وينصب نفسه قيماً عليهم، ويعمل على سرقة قرار الجماهير والوطن وهو في الحقيقة لايمتلك من الشارع إلا جزءاً مما يمتلكه الأخرون بل عادة ما يكون مرفوضاً بين الأغلبية الشعبية الصامتة.


يزداد وجود دكتاتوريات الصوت العالي في أجواء الديمقراطيات المنفلتة التي تكون فيها سلطات الدولة ضعيفة وتعاني من مسارب الفساد وقنوات الفشل وشرايين الشلل، وتكون الطبقة السياسية فيها تعاني من نقاط ضعف وتوهان ذاتية وموضوعية، في مقدمتها التورط بممارسات الفساد، ما يضطرها الى الصمت حيال صاحب هذا السلوك الأرعن حتى إن كان فساده أكبر منهم مجتمعين، لأن صوته العالي يغطي على فساده ودكتاتوريته وجبروته بينما صوتهم المنخفض المبحوح يجعلهم في فوهة مدافع الشعوب، لذا على الجميع نفض غبار هذا التسلط ووضع حد لجبروت هذه النوعية من الدكتاتوريات الظالمة.

مقالات الكاتب