الانتقالي والإدارة الذاتية للجنوب

المستشرّف للواقع في الجنوب اليمني يدرك جيداً التداخلات العميقة في التركيبة البنيوية للمكونات الجنوبية على غرار الانتقالي ناهيك عن التدخل الأجنبي في قرارات ومصير تلك المكونات الجنوبية سواء بتأثير الإيجابي او السلبي.
هذا الأمر في حد ذاته لا يقتصر على المكونات الجنوبية بل يتعداه وصولاً الى الحكومة الشرعية وقيادتها والتي أيضاً تتأثر بشكل او بآخر بالتدخل الخارجي للتحالف العربي في الملف اليمني.
لا يخفى على القارئ للمشهد بأن الانتقالي لم يتجاوز محيط سيطرته على الأرض جنوباً منذ احداث أغسطس وما تلاها من تطورات في الشأن الجنوبي بمحافظة شبوة وما أعقب ذلك من تدخل سعودي للفصل بين الأطراف المتنازعة على الأرض الجنوبية ونتيجة لتلك المجريات العسكرية جرى التوقيع على اتفاق يحفظ ماء الوجه للطرفين عرف بــ اتفاق الرياض.
بالعودة قليلاً لتسلّسل الأحداث في المشهد اليمني منذ انطلاق عاصفة الحزم نرى بأن الحضور الجنوبي كان نتيجة في المشهد ولم يكن سبباً رئيسياً في المعادلة اليمنية.
حضر الجنوب من خلال الانتقالي في الرابع من مايو من العام 2017م كردة فعل على إقصاء قيادات تابعة للآخير من هرم السلطة في لحظة توهان حكومية وفساد يعصف بالحكومة وصراع مصالح ونفوذ بين مختلف القوى اليمنية؛ دعت الحاجة لخلق نوع من التجاذبات وإضعاف الطرف الحكومي و بمباركة التحالف من خلال الجانب الإماراتي الراعي والممؤل للمجلس المشكل.
جرت احداث دراماتيكية في المشهد الجنوبي وصولاً الى لحظة إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية على الجنوب، في غياب السيطرة الفعلية على الجنوب.
خاطب الانتقالي الجميع بأن يلتزموا بالخط والنهج الذي أعلن في إدارة الجنوب؛ مع عدم التنسيق مع قيادة المحافظات الجنوبية والذي عجل برفض القرار من قبل أغلب المحافظات الجنوبية بما في ذلك محافظة حضرموت.
ومن الناحية العملية فإن المحافظات الرافضة لقرارات الانتقالي تعترف بوجود العلة الموضوعية في ذلك الموقف من خلال عدم القدرة على التكيّف التام في المشهد الإداري للمحافظات في ظل وجود التحالف والتدخل الخارجي وضعف الجانب الحكومي المعترف به.
العوامل الآنفة الذكر تمثل الجوهر في التعاطي مع القرار بالإضافة لعدم تمكن الانتقالي من تجاوز مواقعه الحالية وصولاً لبقية المحافظات كتعبير عن القوة والسيطرة.
وربما نحن لازلنا بحاجة لنموذج حضاري وإداري يبدأ من مواقع السيطرة الحالية للانتقالي يبدد الهواجس، ويشجع على المضي قدماً في تحقيق العدالة والمساواة  وتحقيق الأمن وحفظ الممتلكات العامة والخاصة؛ كخطوة عملية تفتح الآفاق للمحافظات المجاورة.
بينما التحفظ من قبل البعض في حضرموت بمثابة خطوة متقدمة في سبيل تجاوز مآسي الحقبة المنصرمة ماقبل العام 1990م، وما تلاها من تغيرات في نظام الدولة وصولاً الى حاضرنا الحالي؛ وما نتطلع إليه من إعادة برمجة للحقوق واعطاء  حضرموت كافة الامتيازات الشخصية والحقوقية لإبناءها في الوصول لموقع القرار وإدارة المحافظة او الإقليم.
بعيداً عن الشعارات والتطمينّات البراقة.
فالسياسة لا تعترف الا بالوقائع ومدى تطبيق ما يعلن بين الفيّنة والأخرى من تصريحات تؤشر لحفظ مصالح حضرموت في الدولة المنتظرة.
ندرك بأن واقع الحال في غاية الصعوبة وبحاجة الى ثورة شعبية في وجه الحكومة نتيجة تردي الخدمات في حضرموت وضعف البنية التحتية بالإضافة لضعف الجانب الصحي بالمحافظة؛ الا أننا ندرك العوامل المؤثرة خارجياً في المشهد اليمني والتي ترسم الخيوط وتعقدّها وفقاً لمقتضيّاتها داخل اليمن والجنوب.
لهذا لازالت حضرموت بحاجة لبناء عوامل القوة التي تمكنها من مواجهة كافة الأخطار المحلية والخارجية في سبيل الوصول لكافة الحقوق وصيانة المكتسبات.

مقالات الكاتب