أنقذوا قرية عدن المنكوبة بالأمراض و التدمير الممنهج ..

ما تشهده عدن التاريخ و السلام و الحضارة من حالة مُزرية على كافة الأصعدة الحياتية و تحديداً انهيار الوضع الصحي و خروجه عن السيطرة و بفعل انتقامي منذ سنوات تحت وطأة فساد المسؤولين على ملف الصحة و تكريس مبدأ  الصراعات السياسية و العسكرية في عدن ما جعل أهلها دوماً يعانون شتى أنواع العذاب و المعاناة ، فلماذا كل ذلك ؟.

*تدمير المؤسسات الصحية الحكومية بالتقادم :
فالبارز و بشكل جلي أن المستشفيات الخاصة هي اليوم العمود الفقري في تقديم الرعاية الصحية بيد أن المؤسسات الصحية الحكومية باتت فاشلة و لا تقدم و لا تأخر ، فهل هذا بفعل الصدفة أم الأمر  متعمد و ممنهج سيما أن من يملك تلك المستشفيات الخاصة هم من الساسة التجار أو من التجار الساسة ( لا فرق ) .
هناك (١٨) مستشفى خاصة بمستويات طبية متفاوتة و هي بالفعل المسيطر الرئيس على المشهد الطبي ، و هي بذلك تحقق أرباح هائلة لا تقارن في أي حال من الأحوال مع نوع الخدمة التي تقدمها و لكن أصبح المريض كمستجير من الرمضاء بالنار و الأمر لا يحتاج مزيد بحث فالوضع واضح للعيان ، اليوم نجد تلك المؤسسات الصحية الفندقية في ظل انتشار الأوبئة تتوارى عن الأنظار و تختفي وراء الأكمة و تخلت تماماً عن دورها المناط بها لمعالجة المواطنين ذوي الأمراض التقليدية المزمنة ( السكر و الضغط و الربو  ...إلخ ) ، و هي تأكد بذلك أنها وجدت لاستنزاف القدرة المالية للمواطن فقط ، و أنها ليست بالحل الرشيد لتقديم الرعاية الصحية  ، و على صعيد متصل يؤكد صاحب إحدى تلك المباني الصحية الفندقية أن قيمة معدات الحماية الشخصية للطواقم الطبية (PPE ) يكلف بحدود (٧٠٠ ألف ريال) يومياً و بالتالي هو لن يستطيع توفير ذلك لمنسوبيه و على الدولة القيام بدورها كاملاً بهذا الصدد ( حسب زعمه ! ) ، تلك الدولة  هي نفسها التي ساهمت في تدمير المستشفيات الحكومية الرافد الحقيقي للرعاية الصحية في كل دول العالم و بالفعل في الليلة الظلماء يفتقد البدر .
فهل سيكون هناك موقف حاسم تجاه هذا السيناريو الغريب من قِبل صاحب القرار هناك اليوم ، فهل سمعنا سابقاً عن بلد مستشفياته توصد أبوابها أمام الناس و بغض النظر عن حالتهم الصحية باختلاف أمراضهم ؟!

*علينا أن نسيطر على الأوبئة لا أن تسيطر علينا :
لن نستغرب أن نجد خلل واضح في التشخيص الطبي للأمراض المستشرية حالياً القديم منها و الحديث ، سيما و أن رصيد ذلك التشخيص عامةً للمرضى القادمون (مثلاً و ليس الحصر) إلى الهند ضعيف للغاية و غير دقيقة بنسب تتجاوز ٨٠٪؜ ، ما يثير كثير من علامات الاستفهام لدى الكادر الطبي الهندي .
  و بعيداً  عن الأدلة العلمية والمختبرية  وانعدام أدوات الرصد والتوثيق ،  و في توصيف خالٍ من المرجعيات الطبية لأنواع الفيروسات المسببة للحميات المنتشرة في عدن دون دراية حصيفة للمسمى ذاته ، أو النتائج المترتبة لهذا التوصيف على عدن بل و تداعيات  هذا التوصيف القريبة و البعيدة في الأوساط الداخلية أو الخارجية . 

اليوم في عدن هناك من أدعى أن المرض المميت هو عبارة تفاعل كيميائي بين النشادر و غاز الكلور الذي يؤدي بدوره لتكون مادة الكلورامين السامة عند الاستنشاق (NH3+NaOCl=N2H4+NaCl+H2O) ، دون الدخول بالتفاصيل الكيميائية للتفاعل فإن سامية المركب المتكون لا تتحقق في الهواء الطلق بوجود أكسجين و ثاني أكسيد الكربون ، ناهيك على مركب الهيدرازين المتكون أيضاً و الذي يتسم بقابلية الانفجار الشديد و هذا ما لم يحدث .

و الجميع قد أطلع على مقال لأكاديمي كان له رأي مختلف عن حقيقة المرض القاتل في عدن و قد عرفه بأنه مرض بكتيريا يسمى داء البريميات (leptospirosis ) لما له من أعراض مشابهة للمرضى ، و في ذات الوقت لا يوجد أي دليل سريري واحد أو فحص مختبري يؤكد أو ينفي ذلك و هو يدرك أن لا يتسنى له وضع تلك المعلومة دونما تعامل مباشر مع مريض واحد على الأقل حسب المعايير المعروفة و المذكورة آنفاً ما سيسمح له من توسيع دائرة البحث إن صح ذلك أو إغلاقها إن كانت خاطئة و بكل تأكيد يجب أن كل ذلك قبل النشر .

و ما أثار الدهشة حقاً خبر اكتشاف مرض الطاعون الرئوي (Pneumonic plague) من قبل الفريق الطبي العامل في اليمن و التابع لمنظمة الصحة العالمية عبر صفحات التواصل الاجتماعية بعد أقل من ساعات من بدء العمل الميداني لذلك الفريق و في ذات الوقت و بشكل رسمي تعلن تلك الجهة عدم صحة ذلك جملةً و تفصيلاً ( فالخبر فيسبوكي بامتياز ليس إلا ) و مع ذلك نرى أطباء قد صدروا تلك النظرية دون عمل فحوصات أو بمستند علمي يدعم ذلك كالمعتاد و تحت ذريعة تشابه الأعراض فقط مع أن  السعال هنا يحمل بلغم وردي اللون ما ينافي تماماً ما يعاينه معظم المرضى من سعال جاف كأبرز عارض .
الحل :
بدرجة أساسية و هامة أعيدوا تأهيل المستشفيات الحكومية و أعملوا على تطويرها فهي الملاذ الآمن للجميع .
أدعموا و بقوة تلك الطواقم الطبية العاملة في المرافق الحكومية ليكونوا رافد حقيقي في تطويق الأمراض و انحسارها .
المراكز الطبية و المجمعات الصحية هي الآخرى أحق بالدعم لما لها من دور هام في تقديم الرعاية الصحية الأولية .
تشديد القوانين و الإجراءات على المستشفيات الخاصة و إلزامها بوضع منهج معقول و مقبول لأسعار الخدمة . 
إذاً فعلينا كأفراد فعالين مواجهة المشكلة التي تمر بها البلاد بتعامل الصارم للوقاية ضد الأمراض حسب الإجراءات الاحترازية الفردية و المعروفة ، فلا نعتمد على الدولة و لا القائمين على القطاع الصحي حالياً .
مرض كورونا منتشر في عدن و يفتك بالناس بتفاعل فسيولوجي باثولوجي مع الحالة الصحية التي يعانيها أفراد المجتمع من حميات و أمراض وبائية آخرى قد تأقلموا عليها سابقاً ، ناهيك عن الأمراض المزمنة الصامتة و الكامنة سراً و التي لا تظهر إلا في مراحل متأخرة يُصعب علاجها و يرجع ذلك لعدم وجود فحوصات دورية شاملة و تشخيص متقن يدعم صحة مجتمعية مقبولة خالية من الأمراض و مضاعفاتها من شأن ذلك ترسيخ مناعة مثالية للأفراد .
و هذا ما يبرر أن تصل اليمن في فترة وجيزة و لم يصل المرض ذروته بعد إلى تسجيل ١٠ ٪؜ من الوفيات لمرض كورونا ، و نحن على تمام اليقين أنه لا يوجد مسح فعلي بأعداد الحالات المصابة و لا إحصائيات دقيقة و بالتالي ما خفي أعظم !..
فقط على الطواقم الطبية  ترك العلاقة السببية للأمراض و البحث لحلول على النتائج الملموسة على أرض الواقع و التعامل المباشر و الجدي مع المرضى عموماً و بإجراءات السلامة المعروفة ، فهنا يكمن شرف المهنة .

#أنقذوا_عدن_المنكوبة


د.رمزي القعيطي
الباحث و الأكاديمي في علم الأدوية

مقالات الكاتب