كيف نعتذر لك ياااااا وطني..؟

(كريتر سكاي):خاص

وقفت لوهلة وفي نظرةٍ عابرة ، ألملم تفكيري الحائر والغاطس في ذكريات الماضي في وطني الجريح فتكررت أمامي مشاهداً عدّةً وكأن شريط الذكريات يُعاد وإذ بي أرى ذاك السلام يعزف ألحانه في زاوية المكان ، وتلك الأم تضع قبلاتها على وجنتيّ الطفل العاثر ، وتلك الأخت توصل أخاها إلى مدرسته ، وذلك الصغير يلعب في الأرجاء وتُداعبه الزهور وأصوات العصافير تجعله يتراقص معها ، وتلك السماء الزرقاء الصافية إطاراً جميلاً له ، وذلك الصوت الشجيّ يردد في الأنحاء : "رددي أيتها الدنيا نشيدي ردديه وأعيد وأعيد" ... هذه أرضي أعيش في ضحاها ... فجأة وبدون مقدمات أنقلب كل شيء رأساً على عقب وأصبحتَ في غشاشة والصورة تملأؤها الثقوب ، إذ بذاك السلام يبكي ، وتلك الأم أبدلت مكان قُبلاتِها لجبين إبنها المُستشهد ، وتلك الأخت تنتظر أخاها الذي لم يعد وطال إنتظارها ، فقد هُدمت مدرسته وأصبح مدفوناً تحت رُكامها ، فلم تستطيع أن تسيطر على فؤادها المترقب لعودة أخيها الذي ودعته الصباح في بوابة المدرسة وغيبته تلك رُكامها المتطاير ، حتى الطفل الذي كان يلعب بعيداً من تلك المدرسة تحت سماء هذا الوطن ويرقص على اصوات العصافير بقي مذعوراً مثلي ، فالزهور أحترقت ، وتلك العصافير التي كانت تطرب ذلك الطفل تفحمت وأصابتها رُكام تلك المدرسة التي دُفن ذلك الطفل تحتها ، وتلك السماء أصبحت سوداوية من دخان أزعر ، وذلك الصوت الشجيّ أصبح مبحوح ويعزف :" هل أرآك سالماً منعّماً" ؛ فلملمتُ قواي المتهالك متمسكٍ ببصيصٍ من الأمل محاولاً نسيان ذاك الموقف وتلك الصدمات التي أنزفت وطني وأذعرت ذلك الطفل ، فأغمضت عيناي وأخذتُ نفسٍ عميق لعلي أنسى كل ذلك ، وفجأة فتحتُ عيناي وإذ بذلك الطفل الذي كان يلعب ويمرح يقف أمامي حافي القدمين بثيابٍ متقطعة ملطخةً بالدماء ، يحمل في إحدى يديه بقايا عصفورٍ متفحم ، قطعته تلك الشظايا المتطايرة من رُكام تلك المدرسةِ -الذي دفنت الطفل الأخر تحتها- وفي يده الأخرى فردةً واحدةً من حذائهِ ، فلم يكد ذلك الموقف ينتهي ولم أستوعب الدرس بعد فإذا بصوتٍ يأتي من بعيدٍ لإمرأةٍ تُرثي طفلها المُستشهد وأختٍ أصبح فؤادها يترقب عودة أخاها الصغير المدفون تحت ذاك الرُكام .

وما هي إلا لحظات حتى بدأت فرق الإنقاذ ترفع ذاك الرُكام فتوجهت إليهم وسألتهم من أنتم ؟! فكان الجواب نحن الناجين من الحرب الرعينة التي أحالتنا بقايا بشرٍ تحطّمت في أعينهم ألف حلم ، بقيت آمالهم كالثقوب لا جدوى من ترميمها ، لقد قتلت الحرب أرواحُنا ، ومزقّت أشلاءنا ، هوت بنا ألف قاعٍ ، ها هي تجعلنا عاجزين وكأن لا صوتٌ لنا ، محت إسم مدينتنا ، كان اليمن السعيد والماضي المجيد والصوت المجيد والأمل المديد ، أصبحت في زمن جديد زمن تمنى السلام فيه العودة إلينا ، إلى ترميم بقايا الأمان والأمل البعيد ، أن نحظى بقليل مما كنا نُجيد ، أن نقول ها نحن نعيد تاريخ حضارتنا الحميد ... 

لقد سكنت الحرب أرواحنا قبل مدينتنا حاكت خيوط الخوف على أعيننا وغرست أشواك الغربة في أعماق قلوبنا ... 

حروبنا بدت ، سعادتنا قُتلت ، حقوقنا مُحت ، الخوف لمدينتنا سمّت ، والجهل رممّت والأمم حاربت ، والطفولة قُتلت ، والإجابة سئُلت ، والمقدِّمة تأخرت ، وحكومتنا جهلت ، وها هي أقلامُنا جفّت ، وكلماتنا على قارعة الطريق غَفت ، وحروفنا على عتبة شفاهِنا جمدت سكتت وما نطقت ، رضينا الذل بعقول فارغة وأيدٍ واهنة وجُملٍ ساخرة ، رضينا الذل لأنفسنا وبقينا تحت سقوف المنازل مختبئين نرجوا النصر ، رضينا الذل لأجيال ما لمستقبلها نظرت ، رضينا الذل لأنفسنا ونسينا ما غداً يغدو ، هربنا لمنازلنا خوفاً وأمسكنا هواتفنا لنصبح أبطالاً وأُدباء وبلغاء ، أقمنا ثورات بمنتهى الغباء ، نحن ننشر الهاشتاقات ... هههه يا للنصر...! ، نسينا كرامتنا خوفاً من جوعٍ أغبر .. أصبحنا أبطالاً بلا سيوف ومعارك بل بهاشتاقات وجيوش بلا مستقر .. 

اااااه يا وطني
كل الأوطان تسير في طريق النور نحو مستقبلٍ مُشرق إلا أنت يا وطني تسير نحو الظلام بإتجاه اللامعلوم بسبب عقولٍ معاقة وقيادات رخيصة أحترفت البيع والتقاسم والبحث عن مصالحها الخاصة على حساب الوطن والمواطن ..!

فـتباً لأمة كان خوفها من الجوع هو همها الأول ... 

مقالات الكاتب

للمتصارعين في الحجرية

يا أبناء الحجرية بوجه عام ويا أبناء المعافر بوجه خاص ، نخاطبكم بلغة بسيطه عن كل ما يكدّر خواطرنا ويع...