الرئيس علي ناصر محمد : الاستلام والتسليم في عدن.. بين أحمد وأحمد..

شاهدت يوم أمس صورة للاستلام والتسليم بين أحمد سالم ربيع علي وأحمد حامد لملس، وكان هذا موقف حضاري في هذا الوضع العاصف، وهذا يذكرني بالاستلام والتسليم لمحافظة لحج عندما كنت محافظاً للمحافظة الثانية لحج فقد سلّمت لسكرتير المحافظة كل شيء، المبنى والسيارات والمكتب والأثاث بما في ذلك السيارة اللاندروفر التي كنت أستخدمها في تنقلاتي بين عدن والمحافظة ومديرياتها. 
وعندما استلمت الإدارة في المحافظة لم أجد من يسلّمني شيء، كانت الإدارات في لحج قد تعرضت للنهب خلال الحرب الأهلية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير.
كانت حالة المحافظة وعاصمتها الجديدة الحوطة مزرية، حين وصلتُ إليها نزلتُ في قصر الروضة، وكان قصر أحد السلاطين السابقين في قلب الحوطة، واتخذتُ منه مقراً لعملي، ولاحظتُ كيف نُهبت القصور والمجمَّع الإداري الكبير، وحزنتُ على كل باب ونافذة وسجاد وحجر وقطعة رخام نُهِبَتْ من قصر الروضة، لكن حزني كان أكبر على نهب أرشيف السلطنة، الأثاث والحجر والرخام يمكن تعويضها، لكن لا يمكن تعويض أرشيف الدولة الذي هو جزء من ذاكرة الشعب.
زرتُ قصر الروضة لأول مرة قبل ذلك بثلاث سنوات ونصف للسلام والتحية على السلطان فضل بن علي الذي استضافنا في حفل إفطار رمضاني مع عدد من المسؤولين والمدرسين من لحج وخارجها عام 1964م، وشاهدتُ حينها السجاد العجمي واللوحات والكراسي المريحة والرخام الإيطالي الأبيض الجميل، وانبهرت بذلك، ولكن اختفى بعد ذلك الحكام ومحتويات القصر، بعد أن دار الزمن دورته السريعة والعاصفة.
استطعت أن أستعيد الإدارة والنظام في العاصمة والمديريات، واستعنت بقائد الجيش حسين عثمان عشال الذي قدم لي عدد كبير من السيارات اللاند روفر، من مخلفات الجيش البريطاني، لتوزيعها على المسؤولين في العاصمة والمديريات، كما قدم لي المكاتب والكراسي التي كنّا نحتاجها من المستودع العام للقوات المسلحة، وهكذا كان.
وعندما قررت تقديم الاستقالة لأسباب، لا أريد الحديث عنها الآن، فقد قدمت كشفاً كاملاً بكل ما هو موجود من سيارات وأثاث بما في ذلك مكتبي والسيارة التي كنت أتنقل فيها وطلبت من سكرتير المحافظة استخدام السيارة لإيصالي فقط الى منزلي في خورمكسر، ورفض السكرتير وقال: إن جميع هذه السيارات أنت من قام بإحضارها لنا ومن حقك أن تحتفظ بهذه السيارة. لكنني رفضت، وقلت له: إن ما هو موجود هو ملك للمحافظة والدولة وليس لأشخاص. كما طلبت من سكرتير المحافظة مرافقتي لتسليم منزل المحافظ بعد أن أخذت منه أغراضي الشخصية فقط.
نحن نأمل أن تحذوا بقية المحافظات في الاستلام والتسليم كما جرى بين أحمد وأحمد، وقبلهما ابتداءً من أول محافظ لعدن، المناضل أبو بكر شفيق، حيث كان المحافظون في عدن يدخلون ويخرجون دون أن يأخذوا معهم أي شيء من ممتلكات الدولة حتى السيارات والمرافق الشخصي كانوا يعودوا الى الادارة. كان المحافظ يستمد هيبته من الدولة وليس من قوة عسكرية أو قبيلة، وكان يتحرك بين بيته ومكتبه بأمان وليس بقوات عسكرية خاصة به، ومع الأسف أن هذا يحدث اليوم في عدن وبقية المحافظات، وتحولوا من مسؤولين لخدمة المحافظة والشعب الى مسؤولين لترهيب الناس وزعزعة الأمن بهذه القوات التي لا مبرر لها وتفوق قوات أي مسؤول في الدولة سياسي كان أو عسكري. وهذا الذي يجري هو بسبب الحرب التي طالبنا ولا زلنا بإيقافها ولا يستفيد منها إلا تجار الموت والحروب.
وفي الأخير نرجو أن نرى نفس هذا التسليم والاستلام السلمي والسلس عند تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض.

مقالات الكاتب

لبنان تحت النيران

لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...