اشياء صغيرة ... در مع للطريق

  كان ابي صاحب نظرية .. هل قلت نظرية ؟! ،  النظريات لاتفيدنا بشىء ولكنها الحكمة .. واقصد ذلك ..
    الآن فجر .. في ظلال النخيل في طريقنا إلى العتم للإغتسال .. انا وابي ،
والديس كلها جزيرة وسط بحر من نخيل . يجري من تحتها الصيق ومياهه الحارة الكبريتية ، وبخاره الذي لايحصى . تستره ظلال من السعف الأخضر ، ويعبق بروائح اشجار الليمون ، والرمان ، والجوافة ، والحناء ، والكستناء ، والفضاء الشاعري لايكتمل الا بأصوات طيور ترتل نشيدها الأبدي .. وعلى النخل يسيل الماء .. ماء العتم .. وكان ابي يميز انواع الطيور من موسيقاها : هذا تسبيح " الحميدية ، يقول " وهذا المكحل ، وهذا العول ، باصيفر ، العديف ، السليسلية ، المشحط ،  السلوى عاشق التمر ، طير الحب .. وانا ودهشتي : كيف يفرق بين اصوات كل هذه العصافير ؟ وحين يمر سرب من الحمام فوقنا اتمنى ان اطير مثله فيسبقني بالقول :  ان زقزقة العصافير تلك هي تحيتها المعتادة التي ترسلها للخالق ..او للتزاوج ......
  كل فجر .. في مثل هذه الساعة كنت ارافق ابي إلى " الصيق ".. حتى نصل إلى  النقطة الغويطة التي نستحم فيها .. قبل ذلك كان علينا ان نقطع طريقا طويلا من بيتنا في القويرة ، في وسط الديس ، قريبا من حصن الدولة .. حتى نصل " العتم" الذي نسير إليه كل فجر وسط العتم ، غير ان اقدامنا كانت قد حفظت ثوابت الأمكنة ، فكانت لاتخطيء .. وكان ابي يسير بنا في نفس الطريق المعتاد دون ان يغيره . نفس الطريق الذي كان يمشي فيه مع ابيه مذ كان في عمري  ..
  ذات نزق .. قررت ان اخالف ابي ، واسير في طريق آخر ، رأيت انه يختصر المسافة ويوفر الوقت .. كنا نقطع عدة اميال حتى نصل نقطة إستحمامنا ، بينما الطريق الذي اكتشفته يجعلنا نصل اسرع من ذلك ..
     بغرور صبي لايملك الخبرة ولايسمع نصائح الكبار ، تسلقت تبة صغيرة ،  باغتتني بالأحجار ، تعثرت بإحداها دون احتراز ، سقطت إلى الارض وصوت المي وصراخي يسبقني إلى ابي ..
    جاء على هدوئه وجزعه الذي يخفيه .. تفقد قدمي الملتوية تحتي ..نظر إليها  
   تيقن ان ليس هناك كسر او مايستدعي الخوف :
   قلت لك در مع الطريق ولو دارت .. ! لكنك مثل كل شباب هذي الأيام ماتسمعون الكلام ..! 
  الذي قهرني انه القى بحكمته او نظريته تلك ومضى .. تركني ومضى ...مضى في طريقه المعتاد ومشيت خلفه بقدم واحدة وأخرى تعرج .... ! 

  

مقالات الكاتب