لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
ردتنا الرسالة الآتية من العزيز باسل جاوي، عبر الصديق الدكتور علي جار الله:
رسالة أوجهها إليك ..
طاب مقامكم الأخ الكبير والقدير علي ناصر محمد، الرئيس السابق والتوافقي الحالي!
آن الأوان أن تدلو بدلوك لإنقاذ عدن خاصة والجنوب عامة واليمن بالمجمل الكبير!
أملنا فيك بعد الله عظيم، فلا تخذلنا نحن (أبناء عدن)، وهنا نؤكد بأننا وبعون الله سنقف ليس معك بالمعنى الهلامي المطاط، بل أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك. فقط تبنى القضية الشائكة التي نعاني منها، وستجدنا إن شاء الله عند حسن ظنك.
نعلم وتعلم أنت أيضاً، أن هناك الكثير من المخاطر وتداخلات المصالح المحلية والاقليمية والدولية، ولكن بعد هذا الزمن المر الذي لم يقبل أن ينقضي ولا يأفل.
آن الأوان أن نخرج من هذا القمقم الذي حبسنا أنفسنا فيه، ونقر ألّا تكون مصالح الآخرين على حساب أمننا وازهارنا وكرامتنا.
هذه دعوة صادقة ومن القلب إليك، بعد تعذر وتعثر الكثيرون من أداء واجبهم نحو وطني عدن وبقية أقطار الجنوب.
لكم جل التحية والإجلال والتقدير
على عمنا وأخينا الكبير علي جار الله توصيل هذا النداء الى الاخ ابو جمال لو تعذر وصوله الى الرئيس (السابق والقادم بإذن الله) عبر الفيسبوك.
وله كل التقدير
وكان ردنا عليه:
العزيز باسل جاوي،
اطلعت على رسالتكم التي أرسلتموها عبر الأخ العزيز الدكتور علي جار الله، والتي تناشدون فيها بالبحث عن حل للأزمة التي تمر بها عدن، بل كل المحافظات، في وطننا العزيز. بعد أن تركت الحروب والصراعات والمزايدات والتطرف منذ 1967م وحتى اليوم، جرحاً عميقاً في جسم الوحدة الوطنية، بل في قلب كل مواطن، فإنني إذ أُشارككم مشاعركم الصادقة والمخلصة تجاه أبناء عدن الطيبين، عدن جوهرة الجنوب والجزيرة العربية، عدن التاريخ والحضارة كما أسميتُ عنوان كتابي، عدن التي تفتح قلبها لكل القادمين إليها من شبه الجزيرة العربية والقرن الافريقي والبحر الأحمر، بل والعالم، والتي انصهرت فيها الحضارات وتعايشت فيها الأديان والجنسيات لتتحول الى مدينة للتصالح والسلام والمحبة والوئام.
من عدن تعلمنا وعلى مصيرها اليوم تألمنا وكما تعرف فإننا حاولنا منذ 1967م وحتى 1990م القيام بجهود متواضعة لرد الجميل لعدن وأبنائها: أولاً بالتركيز على التعليم وإقامة جامعة عدن التي تحولت الى منارة للعلم في عدن والمحافظات بل استقبلت الطلاب من كل أنحاء المنطقة.
وثانياً فإننا حاولنا أن نحافظ على ما ورثناه من الحكومة البريطانية من نظام إداري ممتاز، كما وعملنا على تطوير الكهرباء وأنشأنا عدة محطات، وتطوير مؤسسة المياه والصرف الصحي ومطار عدن الدولي، وإقامة بعض الأحياء السكنية والمراكز التجارية التي كانت تدخل لأول مرة، وإقامة بعض المنشآت السياحية كفندق عدن (الذي سُمي بقلعة الرأسمالية)، وغير ذلك من الجهود المتواضعة التي قمنا بها ولا تفي عدن حقها..
وللأسف فإن البعض قد انتقد ذلك وسموه حينها بالنمط الاستهلاكي الخليجي، وهو لم يكن كذلك لأن من حق الانسان أن يحصل على الكهرباء والماء والتلفزيون الملون والسكن الصحي. وقد تسببت المزايدات والتطرف بأذى كبير للوطن والمواطن ولم أصدق وأنا أتابع وأشاهد عبر الأقمار الصناعية والصحف الشهر الماضي، الناس في كريتر وهم فرحون ويرقصون عندما شاهدوا صهريج الماء (البوزة) بعد انقطاع الماء عن عدن رغم أن الماء والكهرباء والسيارات قد دخلت عدن منذ 100 عام.
كما قرأتُ اليوم عن ارتفاع أسعار الحمير ودخولها الى عدن بعد ارتفاع أسعار الوقود بشكل لا يستطيع الناس احتماله مما اضطرهم لاستخدام الحمير التي اختفت من عدن منذ أكثر من 100 عام..
وبعد هذه المقدمة فإنني أمدُّ يدي لكم ولكل الخيرين في عدن والوطن بأسره للبحث من أجل الخروج من هذه الازمة الطاحنة التي خلفتها الصراعات والحروب وآخرها حرب 2015م التي تسببت بتدمير الدولة. وأصبح في اليمن اليوم أكثر من حكومة وأكثر من رئيس وأكثر من جيش..
وقد تقدمت بمبادرات طوال السنوات الماضية، قبل الحرب وبعدها، لإيجاد حل سياسي توافقي كما سميتَهُ، ولم أكن أبحث عن موقع لي في أي سلطة لأنني قد جربتها واكتويت بنارها بسبب المزايدات والتطرف والعمى والغباء السياسي. وغادرت السلطة حينها ولكنني لم أغادر الحياة السياسية (فالسلطة ليست نهاية الحياة) ومن حين لآخر أبذل جهوداً مع كل المخلصين في الوطن للخروج من هذه الازمة التي تمر بها البلاد والتي لا نعفي أنفسنا منها جميعاً.. وعقدنا مؤتمر سُمي بمؤتمر القاهرة 2011م وحضره أكثر من 650 شخصية، لم نستثني أحداً منهم، سواء من كانوا مختلفين معنا أو متفقين ولكن البعض رفض الحضور والمشاركة في هذا المؤتمر. وقد أكدتُ لهم حينها أنه بإمكانهم أن يرأسوا المؤتمر ويشرفوا على مخرجاته واختيار قياداته ولكنهم رفضوا! ولم نغلق باب الحوار معهم وذهبنا الى البيض وباعوم في بيروت والى الجفري في القاهرة، ولكن دون جدوى. ونحن نحترم آراءهم ولم نقطع الاتصال معهم واستمرت اللقاءات في دبي وأبوظبي والقاهرة وبيروت مرة أخرى..
كان هدفي أن ننقذ هذا الشعب من هذه الأزمة الخطيرة التي يمر بها اليوم، وكان من الممكن لمخرجات مؤتمر القاهرة أن تشكل مخرجاً للأزمة، بقيام دولة اتحادية من إقليمين لفترة مزمنة يجري بعدها الاستفتاء على الوحدة والفدرالية والكونفدرالية وفك الارتباط ولكن لا حياة لمن تنادي..
وحاولت العام الماضي وبداية هذا العام أن أقوم بجولة أخرى والتقيت مع كافة الاطراف المحلية والاقليمية والدولية.. وكانت النتائج جيدة ومحل إجماع من قبل الجامعة العربية والمبعوث الأممي ودول الخليج والسفراء العرب والأجانب والشخصيات والأحزاب اليمنية من الشمال والجنوب، ولكن تجار الحروب لا يريدون نهاية لهذه الحرب التي يدفع شعبنا ثمنها وحده، ومع الأسف أن معظم القيادات ولاؤها للخارج وليس للوطن وشعبنا العظيم..
ورغم كل هذا فأنا اليوم جاهز ومستعد أن أمد يدي لكم ولكل مخلص في هذا الوطن واللقاء معه في أي مكان للبحث عن حل للأزمة التي يمر بها شعبنا ووطنا.
وفي الختام سأرسل لكم قصة حقيقية جرت في الماضي وخصصتها للأخ الدكتور علي جار الله عندما التقيت معه لأول مرة في أبو ظبي وبحضور الأخوة قاسم عبد الرب وسالم جبران وعبد الله ناصر رشيد وجئت من القاهرة بشكل عاجل حسب طلبهم وطلب البيض، من أجل اللقاء معه قبل سفره الى عُمان. وكان الأخ علي جار الله عاتب علي لأنني لست مع قيام دولة الجنوب التي يطالب بها البيض. وكنت متأكد أن هذا المطلب غير واقعي ويجب يمر بمراحل وفقاً لمخرجات مؤتمر القاهرة وبما يرتضيه الشعب، وقلت للأخ علي جار الله وللآخرين: أنا موافق على الدولة اليوم وليس غداً.
وكان أكثر من شكرني هو الأخ علي جار الله لأنه كان على اعتقاد بأنني أنا من يعيق قيام الدولة في الجنوب والتي كانت بيدنا وضيعناها بسبب المزايدات والتطرف والآن نتباكى عليها..
وقد نقلوا للبيض موافقتي للقاء معه وتم الاتفاق على اللقاء في اليوم الثاني الساعة ٧ مساءً.. ولكن ابنه عمرو وابو علي الحضرمي اعترضوا على كلام البيض وانزعج منهم عبد الله ناصر رشيد.. ولم أصدق انه بعد ساعة من ابلاغي بالموافقة ومجيئي من مصر بشكل عاجل يجري التراجع عن هذا الموعد..
وشرحتُ له ولهم القصة الآتية:
حدثت قصة في أرض العوالق منذ زمن قديم وهي تنطبق على واقعنا اليوم.
كان أحد الآباء يشكي من ابنه المتمرد والمشاكس والمزايد الذي سبب له مشاكل مع إخوانه وجيرانه وأصدقائه وقبيلته، وكان الكل يشكي منه. وحاول والده أن ينصحه ويصلحه ولكن دون جدوى.
وفي أحد الأيام اشتبك مع بعض من أفراد قبيلته وأدى الى إطلاق النار وأُصيب في جبينه مما أدى الى وفاته ونقله الى بيته وأسرته ووالده الذي لم يحزن عليه كثيراً بسبب تطرفه ومشاكله التي سببها له والتي لا حصر لها. وعلمت القرية بمقتله، وارتاح الجميع، ونُقل الى المقبرة وحضر جمهور كبير لوداعه حتى قبره وأنزلوا جثمانه الى اللحد.
وقبل أن يهالوا عليه التراب جاء إمام المسجد ليلقنه الكلمات التي تُقرأ على الموتى بعد وفاتهم كما هي العادة، فقال له الملقن وهو في اللحد: إذا جاءك الملكَان فلا يرهبانك ولا يخيفانك فإنهما خلق من خلق الله.
وصاح الأب وقال للملقن: لا تتعب نفسك واطلع من القبر فقد نصحناه وعاده في البيت وما سمعنا فكيف يسمعك وهو في القبر، خلصنا من الدعاء.
وخرج من اللحد وهالوا عليه التراب ونعق عليه الغراب.
وهذه أشبه بقصتنا في عدن مع الأخوة الذين لم يسمعونا في عدن فكيف سيسمعوننا اليوم وهم خارج الوطن وعدن حزينة وينعق عليها الغراب وتنهق فيها الحمير.