اشياء صغيرة .. 4 في واحد!             

    ابي كان له معادلته الخاصة في تعليمي الأشياء ، لا يلقي على مسامعي دروسامن نوع ما ، بل يترك لي متعة اكتشاف الامور والتعلم منها.. تماما مثل الطفل لكي يتعلم المشي عليه ان يسقط ! . 
   اذكر اول مرة اخدني فيها للصلاة معه في مسجد ، كان عمري نحو سبع سنوات  ، الوقت قبل صلاة الظهر تقريبا ، والمسجد مسجدالنور ،  هناك وقع نظري على عدد من الرجال الجالسين في صف وهم ينتظرون امام عدد من الابواب المغلقة . 
  قال ابي كلمة واحدة :
  - من التالي ؟
   رفع احدهم يده ، وجلس ابي بعده مباشرة فقعدت إلى جواره ننتظر مع المنتظرين . لم اكن ادري لماذا ، ومن في الداخل .. وماذا يفعلون ، وكلما فتح باب ، خرج منه رجل ودخل مكانه آخر ،  ..وكلما جاء آخر سأل : من التالي ؟ وجلس ينتظر  وهكذا ...... 
  لم احتمل الإنتظار كل هذا الوقت لشيء لا اعرف ماهيته .. يقتلني الفضول  ، ما ان فتح احد الأبواب وخرج من بداخله حتى وثبت إليه .دخلت واغلقت الباب خلفي دون ان ابالي بصيحات المحتجين ، وتاركا ابي يبرر تصرفي بأنني غرُُ لا اعرف ! وهذه اول مرة وآخر مرة ..
     المهم وجدت داخل الغرفة المغلقة
 بركة ماء بعمق قامة تقريبا ، ماؤها بارد ينعش الروح والجسم عندما نزلت فيها ، ولم يخرجني منها إلا دقات وصيحات المحتجين وقد ازف قيام الصلاة .. 
     بدا تصرفي محرجا لأبي ، لكنه علمني الدرس الذي اراد تعليمه لي ، وتحمل اللوم نيابة عني من اجله ..
   عرفت بعد ذلك ان في كل مسجد من مساجد الديس مقالد من هذا النوع ، يقوم على نظام تبريد طبيعي ، حيث يتم ملؤها منذ الصباح الباكر ولاتفتح الا قبل صلاة الظهر بساعة تقريبا  ، ومن يأتي اولا له الأسبقية في الدخول والاغتسال ، وكل يلزم دوره ولايتعداه ، وهذا النظام يسمى السبق .. والكل يحترم هذا النظام . وذكرني اخي صالح  ان مقالد مسجد السادة كانت افضلها على الاطلاق ..
  سواء ذهبت بعد ذلك مع ابي ، اووحدي ، او مع زملاء في عمري .. كان علي ان اتعلم  بسرعة ، وان الزم دوري ، ليس ذلك فحسب ، بل اتنازل عنه لمن هو اكبر مني ، ولا امكث داخل "  المقلد " اكثر مما ينبغي .. الأمر هكذا .. هكذا تعلمت في وقت واحد عن طريق المقالد الدرس الذي اراد ابي ان يلقنه لي مضروبا في اربعة ..
 إتباع النظام 
 إحترام الكبير 
 الصبر .. 
 والدرس الأهم ، حتى تتعلم ينبغي ان تغلط لكن لاتكرر نفس الخطأ مرتين !

مقالات الكاتب