اشياء صغيرة .. الديس هبة الصيق

     مازلت اتذكر قولا لأبي في صباي سمعته بعد ذلك كثيرا : الديس هبة الصيق . في البداية لم استوعب قوله كثيرا ، لم يقل لي ماذا يعني ذلك . كالعادة ترك لي متعة التفكير والاكتشاف ..  استوقفني الصيق نفسه فيما بعد ..ذلك النبع الكبريتي الساخن الذي ينبع من عين  بين الصخور ويتدفق بقوة عبر الزمن ، و يتخذ طريقه في العتوم يسقي النخيل والمزارع والبساتين ويصب في الجوابي والبيوت والعروق واهبا الحياة للديس .. 
 للبشر ،والحيوانات والطيور .. لقد اعطى الصيق الأبدية للديس ..مامن انسان الا اغتسل فيه  وشرب منه ، مامن بيت الا عجن طينه ومدره بماء الصيق ..  مامن طعام الا طهته امهاتنا وجداتنا بماء الصيق .. مامن طفل الا عاش اجمل سنوات عمره في ضفافه وبين ظلال النخيل حتى عبر إلى الكهولة .. ومامن ديسشرقاوي الا ويجري في عروقه ماء الصيق .. 
 لا احد يعرف على وجه التحديد تاريخ اكتشاف الصيق ، لكن يقال ان امرأة بحسنية من البدو الرحل هي من اكتشف عين الصيق .. لكن الصيق ليس عين الماء الوحيدة ، ففي الديس معايين كثيرة ، مثل معيان باخبازي ومعيان السادة ومعيان بحاح في خليف الصفر ومعيان صنعة ..ومن هذه العيون خاصة الكبريتية ماله صبغة علاجية مثل ( ثوبان والصيق وصويبر وصنعة ) كما أكدت العينيات التي تم فحصها في مختبرات اكاديمية الطب في جمهورية بلغاريا التي أكدت قيمتها العلاجية العالية .. لكن يظل عين معيان الصيق الشريان الاهم الذي يرتبط بالذاكرة اينما ذهبت ، يتسع للذاكرة وللذكريات   ..
ماان تشرب منه حتى تعود اليه مهما طال الزمن .. مازلت اتذكر صوت مياهه الجارية في العتوم والقنوات ، راثحته الكبريتية ، سخونته ، وعذوبته ، انه صوت وطعم الحياة الذي يعطي للديس تلك الخاصية التي الهمت ابناءها الشعر  الرقص الشعبي والغناء والمرويات و العديد من الفنون التي من المستحيل ان الا ان تقول انها تنتمي إلى عبقرية المكان ..حينها فقط تدرك ان الديس فعلا هبة الصيق مثلما مصر هبة النيل !

مقالات الكاتب