اشياء صغيرة ... غريم الشحاري !

يرفع يديه إلى السماء : 
  -  يافتاح ياعليم ..يارزاق ياكريم .. ويفتح باب دكانه على مصراعيه ..
    كان ابي يحب عمل الدكاكين ، ليس كمصدر للرزق والكسب الحلال فقط ، وإعالة اسرته ، بل ان ذلك هو العمل الوحيد الذي يعرفه ..
    كل يوم لأبي ، يبدأه بصلاة الفجر ، وقراءة القرآن ، وتبخير دكانه باللبان ، ورش الماء امامه لتثبيت الرمال  في موسم الرياح المتربة ..الغوبة في المسبح احد احياء الشيخ عثمان .
  يتمتع ابي بذاكرة حديدية ككل شحارية  دكاكين العطارة .. يحفظ اسعار بضائعه الكثيرة والمتنوعة ، واماكن رفوفها من صغيرها إلى كبيرها عن ظهر قلب . مامن شيء لاتجده في دكان الشحاري .. كل شيء .. من الإبرة الى صواريخ " الطماش " ، من الارز الى الدقيق ، ومن السكر الى الشاي و كل انواع البهارات .. وللمعلبات نصيب والصابون والزيوت ولعب الاطفال والمشروبات الغازية والبانهيس ! والسجائر والكبريت والجاز والفحم والحطب ، والاسبرو والاكسسوارات ، والدفاتر المدرسية والاقلام ..كل مايخطر على بال من بضائع ايام كانت عدن سوقا حرة  .. سيدة البحار والتجارة .. 
  وكما يعرف بضائعه واسعارها عن ظهر قلب ، كان يعرف وجوه زبائنه ، صغيرهم قبل كبيرهم ، واسماء كل واحد منهم ، وعددهم ليس بالقليل .. وفي آخر الليل يحصي نقوده ، ويقفل حسابات يومه وينام ملء جفنيه مع ان البائع دينا لاينام .. من لايغش ويوفي الكيل والميزان وحده مسموح له بالنوم .. 
  يعرف أبي ان البيع بالدين تجارة محفوفة بالمخاطر ، لكنها ضرورة لابد منها .. منهم من يسدد ، ومنهم من يماطل ، واكثرهم يهربون ! وكان معظم زبائنه من الموظفين الذين ليس لهم دخل إلا الراتب الذي يقبضونه آخر الشهر ، لهذا لم يعلق في دكانه ابدا " ممنوع الدين وكلمة بعدين " لأنها لم تكن تناسب زبائنه .
   وكم من مرة افلس بسبب ديون لاتسدد ؟! 
  وفي كل مرة يبدأ من جديد ...
  لم يعتزل ابي عمل الدكاكين إلا بعد ان استولت الدولة على سوق التجارة بمافي ذلك تجارة التجزئة وصارت الدولة هي الشحاري ! 

   

مقالات الكاتب