اشياء صغيرة.. السيجارة التي قتلت ابي !

  فجاة مرض ابي ، إلى درجة اقعده بدون حراك ، لكن بكامل وعيه ..
   الأطباء المحليون الذين فحصوه لم يجدوا سببا لعلته ..
   وصفوا له أدوية لم تأت بنتيجة ولم تحسن من وضعه الصحي ..
   ذات يوم جاء طبيب من اقصى الغرب .. 
وفيما هو في حيرته سأل ابي : 
   هل كنت تتعاطى المخدرات ..
   نافيا ومستنكرا قال : لا .. استغفر الله ! انا رجل مسلم ..اعرف الحلال والحرام . 
  ساله الطبيب مرة اخرى : 
  تشرب الخمر .. 
  اجاب ابي وقد صعقه السؤال : اعوذ بالله .. اعوذ بالله .. واخذ يستغفر ويردد انا رجل مسلم لا اقع في الحرام .. اصلي واصوم واتصدق .. 
   مامن حيرة اكثر من هذا لطبيب  ، يزيد ضغطه على ابي  : 
  مستر عمر .. ارجوك افتكر .. ارجوك .. هل هناك شيء كنت تتعاطاه وامتنعت عنه .. فكر وافتكر ..
    يشحذ ذاكرته ، في البدايةلم تسعفه بشيء .. هو متأكد انه لم يذق الخمر  . ولم يسمع بالمخدرات .. إذن ماهذه المصيبة التي حلت عليه ؟ تذكر ياعمر .. تذكر ! ساعد نفسك ياعمر حتى يساعدك الطبيب ..حتى تشفى وترتاح من هذا العذاب .. وتريح اهلك معك .. هل تبغى ان تظل هكذا بقية العمر ؟ إلى درجة حين تريد الذهاب إلى الحمام يحملوك إليه حملا ..تذكر ياعمر .. ليس كل يوم يأتي طبيب انجليزي إلى هذه البلاد .. تذكر ياعمر .. وعمر لايتذكر ! 
     السيجارة مضيعة للنقود وللصحة ..
  كان يدخن وامتنع عنه دفعة واحدة .. وبعدها بفترة لم يعد يستطيع الحركة .. صرخ ابي كمن وجد ضالته : وجدتها .. وجدتها ..فسأله الطبيب : ها مستر عمر .. افتكرت ؟ 
 نعم .. كنت اذخن لكني توقفت عن التدخين والحمد لله !  ....
   قال الطبيب وعيناه تومضان بالفرح :
    اي نوع من السيجارة ؟
    " ابو جنيه " ..
     اجاب ابي .. 
    نوع من السجائر الرخيصة بدون فلتر درج على تدخينها سنوات طويلة ثم قرر فجأة الامتناع عن التدخين بينما كان عليه ان يفعل ذلك بتدرج كما اخبره الطبيب الانجليزي فيما بعد ..
    ارسل الطبيب في شراء "باكت " 
دخان من النوع الذي ذكره ابي ، وقال له بعد ان فض غلافه : 
   دخن ...! 
   رفض ابي .. 
   كرر الطبيب : 
   دخن ياعمر ! 
   ولكني امتنعت عن التدخين ..
   يلح عليه  : دخن ياعمر ..ابي يرفض والطبيب يصر : دخن ياعمر .. الا تريد ان تشفى ؟.. بلى .. اذن دخن ياعمر .. دخن ..
   واخيرا اخذ ابي سيجارة واحدة من العلبة .. اشعلها له الدكتور بنفسه من ولاعة كان يحملها . يستنشق رائحة دخانها   ، ينفث الدخان في الهواء ، يملأ الغرفة برائحة التبغ الرخيص .. تعود عليه منذ دخن اول سيجارة وصار من اولاد الدخان ، وصدره من رماده ..
  انهى تدخين السيجارة الأولى .. اتبعها بثانية ..ثالثة .. رابعة ..فخامسة .. لم يتوقف حتى انهى آخر سيجارة في الباكت ..
  قفز من فوق الكرسي ومشى على قدميه كأن لم يك به شيء .. من يومها لم يتوقف ابي عن التدخين .. ولا عن تغيير نوعه الرخيص المفضل .. يقولون له : بطل تدخين ياعمر .. فيحكي لهم قصته تلك .. ستقتلك السجائر ياعمر .. لكن عمر يحكي لهم تلك الحكاية وكيف انقذت السجارة حياته .. يحكيها لهم وهو يدخن .. نفس السيجارة الرخيصة بدون فلتر ..لكن تلك السجارة التي انقذت حياته ذات يوم ، تحولت إلى شظايا قاتلة احرقت صدره .. يوم مات كان عمره تسعون سنة وكانت تلك نهاية رجل شجاع !

مقالات الكاتب