اشياء صغيرة .. انت واخذ ذكي

من لون وشحوب امي ، ادرك الطبيب انه فقر الدم ! 
   ذات زمن .. ذات عدن ، مرضت امي مرضا شديدا استدعى من ابي ان ينقلها إلى مستشفى الملكة .. كانت تلك من الحالات النادرة التي تمرض فيها وتقبل ان تعرض نفسها على طبيب .. 
    بعد الفحص والتشخيص قرر الطبيب الإنجليزي انها تحتاج إلى عملية ، وإلى نقل دم  : كيف استحملت امي كل تلك الولادات ..نزف كل تلك الدماء ..كل تلك الالام .. وتربية ست ارانب لاتشبع ؟! 
  لم يكن ابي يملك مالا يكفي لشراء الدم من بنك المستشفى ، وكان من الذين يؤمنون بالمثل الذي طبقه اكثر من غيره في حياته " اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب " ، ولم يكن لها اقرباء في عدن حتى يتبرعوا لها :  ياالهي ماذا يفعل ؟ يقول ابي وهو يتطلع إلى السماء . لطالما آمن بان صاحب الخيمة الزرقاء ، الذي " رفع السموات بغير عمد ترونها .. "   لن يتخلى عنه  ، ولا عن زوجته الغالية . 
  اخبر الطبيب انه مستعد ان يتبرع بدمه لإنقاذ حياة زوجته الغالية .
   من حسن الحظ ان فصيلة دم ابي جاءت من نفس فصيلة دم امي .. اعلن الطبيب ذلك لأبي وهو في منتهى الفرح ، وحدد موعدا لإجراء العملية ..
    في اليوم الموعود ،  "شحننا " ابي في سيارة " انجيز " وقفت بنا في مستشفى الملكة في خور مكسر .. ودخل إلى إحدى الغرف  ، ونحن نختبيء خلفه في طابور كما طلب منا .. وعندما راءه الطبيب الإنجليزي قال له : 
  مستر عمر .. هاقد اتيت ..هل انت جاهز ؟! 
  اجابه ابي : جاهز دكتور لكن .... 
  وسكت ولم يكمل .
   بادره الطبيب : خائف مستر عمر ! 
   اجاب ابي : لا مش خائف .. لكن ... 
    انتظر الطبيب أن يكمل ، لكن ابي لزم الصمت .. 
    لاادري إذا فعل ذلك متعمدا ليزيد من فضول الطبيب ، او انه يبحث عن شيء ما يقوله ، او نسي ماذا عليه ان يقول . فلما طال صمته بادره الطبيب : 
  الا تريد ان تنقذ حياة زوجتك ؟!
  بلى ..
  اجاب ابي بدون تردد ..
    إذن ماذا مستر عمر ..
   حينها فقط ، امرنا ابي بالظهور ،   ففوجيء الطبيب الإنجليزي ، بست من العفاريت الصغيرة، الناحلة ، تخرج من وراء ظهر ابي ..اكبرهم في العاشرة تقريبا ، واصغرهم في الثانية من عمره ، والبقية بين بين .. 
   سأل الطبيب الإنجليزي ابي وعلامات الإستغراب والدهشة على وجهه الأحمر : 
    من هؤلاء ياعمر. ؟! 
    اولادي .. واضاف : 
   وامهم التي سوف تجري لها العملية ..
   سأل : وماذا يفعلون هنا .. لماذا جئت بهم ..؟! 
   وبدل ان يجيبه سأله : 
   إذا سحبتم دمي وجرى لي ولأمهم امر الله .. هل تتكفل الحكومة بهم ..
  واشار إلينا نحن الستة ..
  اجاب الطبيب وقد فوجيء : 
  لا .. مستر عمر ! انا مش المندوب السامي .. انا مدير المستشفى ..
  يتكفل بهم مستشفى الملكة ؟ 
  واشار إلينا نحن الستة مرة اخرى . 
  لا مستر عمر .. هذا مستشفى مش جمعية خيرية ! 
  تتكفل بهم انت ؟! 
  لا .. لا مستر عمر ..مش ممكن .. مش ممكن ..
  واستغل ابي الفرصة فقال : 
  لمن اترك هؤلاء اذن ..؟! ليس لهم احد غيري ، وامهم مريضة ، وهي الآن بين ايديكم وعناية الله ..
  انت واخذ ذكي مستر عمر .. واخذ ذكي .. 
  قال الطبيب وكأنه غلب على امره ، واضاف : 
   خلاص سنجري العملية على حساب المستشفى ميشان هؤلاء العفاريت الصغار بس  .. ما نشتي منك خاجه ..
   مابغيتوا مني دم ؟! 
  لا .. 
  ولافلوس العملية ..
   لا .. ! 
   رفع سماعة الهاتف وادار القرص على رقم معين وهو يتمتم ، ويردد : انت واخذ ذكي .. انت واخذ ذكي مستر عمر .. 
  وامر بإجراء عملية امي مجانا على حساب المستشفى .

مقالات الكاتب