" إلى روح ام خالد في الذكرى السنوية الأولى لرحيلها .. "
بعض الأرواح ، لاتستطيع ان تنساها ، حتى لوحاولت . تظل تحوم حولك ، تحيطك في كل وق...
بين زبون وآخر ، يدير ابي مؤشر المذياع ، على راديو عدن ، او جيبوتي ، اوراديو لندن ( القسم العربي ) ليكون على صلة بمايجري في العالم ، وفي الغالب بحثا عن مطربه المفضل محمد جمعة خان .
يجد محطة تبث اغنية يحبها فيستمع اليها ، ويفضل اغاني شيوخ الطرب : الماس ، القعطبي ، العنتري ، بامخرمة ، الجراش ، عمر غابة ، المسلمي . خليل محمد خليل . يصادف ان الراديو يبث اغنيةللمرشدي اوبن سعد اوالزبيدي ، فيستمع إليها ، وكان ذوقه يتسع لأحمد قاسم و الزيدي ولايغير مؤشر الراديو لكن يطربه زكريا احمد ، وعبد المطلب وكارم محمود ، وايضا عبدالوهاب وام كلثوم ، وصباح وفريد وعبدالحليم الى حدما ..
لم يكن يتكلم كثيرا ، أميل للصمت غالبا لكنه حين يحكي ، يحكي بالساعات . ويقودك إلى عوالم يتصارع فيها الجن والانسان ، فترى جراحا تنزف ، وصرعى يموتون ، وحروبا لاتتوقف ، وقصصه لاتنتهي عن الساحرات وطقوس الجن الذين يستحضرون .. وكانت متعته قراءة الروايات ومشاهدة الأفلام العربية والهندية ، ومرة على الأقل في الأسبوع ، يذهب إلى السينما ويأخذنا معه ، عندما دخل التلفزيون عدن سنة 1964م صار لصيق الشاشة الفضية الصغيرة ، وبعد ان اعتزل عمل الدكاكين صار لايفصل بينها وبين كرسيه إلا مسافة صغيرة ..
يلعب الترب ، حريف دمنة يعرف الحجر في يد خصمه ، لا يغلبه احد .. !
يعيش حياته كإنسان ، ويستفتي قلبه .. إذا جاء وقت الصلاة صلى ، وإذا جاء رمضان صام وزكى ، ويتصدق في كل وقت ، ولاينقطع عن تلاوة القرآن ، ويعتبر العمل عبادة ، يصل الرحم ولايؤذي جاره . ويذهب لزيارة اولياء الله الصالحين .. في كل فعل قام به كان ابن عصره وزمانه ولم يخذل روحه .. كل شيء يؤديه بحب ومتعة ، ومن هنا وجد سلامه الداخلي .
كان يعتبر عدن كل فضائه ، حيث يجد مسجدا يصلي ، وحيث مخدرة يسهر ، وحيث يعرض فيلم يذهب لمشاهدته ، ويخصص الجمعة لزيارة اصدقائه .
في عدن كان جيرانه خليطا من الهندوس والبنيان والفرس واليهود ، والصومال والعرب ، يوم كانت بيوت ودكاكين عدن وناسها متلاصقين ومتعايشين في سلام ، لايسأل الجار جاره عن دينه ، ولا المسجد تسأل جدرانه لماذا الكنيسة والكنيس والمعبد بجواره ؟! ..
الكل في نفس المدينة ، مواطن يعرف طريقه إلى السماء بطريقته الخاصة وكان سجل ديونه يضم اسماءمن كل الجنسيات تقريبا .. نفس الدفتر لم يكن يفصل بينهم سوى صفحة عندماتمتلىء .. يوم انحسر التسامح ، ضاق الحجر بالحجر ، والبشر بالبشر ، وفقد الناس طعم المحبة ، لذة الحياة ، سماحة الدين .. وإنسانية الإنسان .