الرئيس علي ناصر محمد :16 عاماً على رحيل حكيم العرب

كان أول اتصال ولقاء بيني وبين الشيخ زايد في عام 1974م، وتم بالمصادفة عندما كنت أرأس وفد بلادي إلى مؤتمر القمة الإسلامية الثاني، وهو ما سمي بقمة لاهور، حين تعرفتُ لأول مرة على الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة على مائدة العشاء. بدا لي سمحاً، حاد القسمات يشع بالطيبة ونبل الخلق وصفاء القلب، ويذكرك بعرب المناطق الصحراوية، في قسماته وسماته ولباسه، كل ذلك يؤكد أنه صحراوي عظيم. 
كان ذلك اللقاء بداية لمسيرة طويلة من العلاقات الرسمية والشخصية بيني وبين صاحب السمو والتي امتدت حتى وفاته، وأشهد أنه قدم خلالها كل أشكال الدعم لليمن في كل المجالات الزراعية والصناعية والكهرباء والعمران وغيرها، وهل يستطيع التاريخ أن ينسى أن باني سد مأرب الحديث هو زايد الخير، كما سماه الشاعر الكبير حسين المحضار عند زيارة الشيخ زايد لعدن وألقاها في حضوره، ونحن في جلسة ودية.
بعد أن تسلمتُ رئاسة اليمن الديمقراطية عام 1980م قدم لي الشيخ زايد رحمه الله مجموعة نصائح اتبعتها جميعاً، فقد نصح أولاً بإقامة العلاقات مع سلطنة عمان، الجارة التي استمرت قطيعتنا معها خمسة عشر عاماً، ونصح ثانياً بإصلاح العلاقات مع صنعاء والرئيس علي عبد الله صالح. والنصيحة الثالثة كانت بتطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية لأنه، لا يمكن تطوير البلد في ظل الخلافات مع الجيران سيما وأن مشاكل الحدود أثرت سلباً علينا وعليهم وعلى أمن واستقرار المنطقة.
ولأن كلامه كان واقعياً في زمن المزايدات، وصادقاً في زمن الرياء، واستراتيجياً يرمي للبعيد البعيد، فقد تفهمتُ نصائحه، وأقمنا علاقات مع هذه الدول على أساس الثقة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مما عزز علاقاتنا الإقليمية والعالمية واستطعنا الانصراف للتنمية رغم بعض الاعتراضات على هذه السياسة لكنني كنتُ مقتنعاً بأنها كانت تستجيب لمصالح الشعب اليمني بالدرجة الأولى ومصالح شعوب المنطقة.
كان الشيخ زايد مهتما للغاية بالوحدة اليمنية وأمن اليمن واستقراره، فهو رائد التجربة الوحدوية الناجحة القائمة على المساواة والعدل والأمن والاستقرار، وهو صاحب الدور الهام والكبير في إنجاح تجربة دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز التضامن العربي والإسلامي والإنساني.
هذا الزعيم الكبير بحق الذي لا ينسى أحداً، وينزل إلى الشوارع ليتفقد البشر والشجر، ويحرص أن يعم خيره الدنيا ويصل إلى أصغر قرية في أبعد مكان، وترك دولة مزدهرة بمؤسسات راسخة بلا ديون وبلا أعداء.
ما زلتُ لا أصدق أنه ذهب! من يظلل العرب بعد أن طوى جناحيه الكبيرتين ورحل؟

مقالات الكاتب

لبنان تحت النيران

لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...