قبلة على عنق مطوع تثير السخرية

من أمس وأنا أتذكر وأتحسر بالآن نفسه على ذلك المطوع الذي صادفته يتوضأ بحمام عام والجميع يراقب عنقه الموشوم بقبلة حارة .. كان البعض يحدق فيها بسخرية وتشفي والبعض الآخر ينظر إليها بغضب وكأنها فاحشة ترتكب أمامه. آلاف الناس يحدث لهم نفس الموقف يوميا، لكنه يمر مرور الكرام، أما هنا، القبلة أثارت الدهشة والغرابة ولفتت انتباه الجميع ليكون صاحبها بموقف لا يحسد عليه.
كانت القبلة واضحة للعيان، لمن ينظرون إليها من الخلف أو من الجهة اليسرى، لكنها على ما يبدو قد أختفت خلف اللّحية ولم ينتبه المطوع المسكين لوجودها أثناء وقوفه أمام المرآة قبل الخروج من المنزل، وإلا لكان دفنها كما تدفن العاشقة مولودها الذي أنجبته من عشيقها السري، خوف من نظرة الناس وليس كرها.
حينها كنا مجموعة كبيرة، وكان على ما يبدو قد شعر بالنظرات التي تحاصره ولكنه أغلب الظن لم يكن يدرك ما هو السبب!
بلا شك عند العودة سيتفحص نفسه جيدا ويكتشف ما وراء تلك النظرات، الأمر الذي قد يرتقي إلى مستوى الجريمة بنظره، حتى وإن كان متصالحا مع الذات ستجعله نظرات الناس هذه -بعد ذلك- أكثر توحشا ليعاقب المرأة البريئة التي ارتكبتها بلحظة عشق مجنونة، وببراءة دون سابق ترصد. 
لوحدي أكتفيت بنظرة واحدة، نظرة واحدة فقط، ثم عدت انظر الى الجهة الأخرى لئلا أحرج الرجل أكثر من اللازم كما يفعل الآخرين من حولي بلا أي إحساس بالذنب تجاهه، أولئك الذين لم يتوقفوا رغم ما كان يبدو عليه من اضطراب بسبب النظرات المصوبة بإتجاهه من دون أن يكون قد عرف السبب.
صرفت نظري عنه ولكن أفكاري ظلت تدور حوله .. فكرت بتلك المسكينة التي ربما تصبح ضحية للتحريض الذي حدث أمامي. كانت نظرات الآخرين إليه مؤذية، تحرضه على الإنتقام، وكان يبدو عاجزا عن الوقوف أمام شراستها .. تأكد ليّ حينها أن تلك العاشقة المسكينة ستكون هي الحلقة الأضعف للإنتقام منها.
وبقيت أيضا أفكر بنفسية هذا المطوع المكسورة، الذي كان على ما يبدو يُمارس حبه مع زوجته دون حدود، لن يعود كما كان من قبل، الآن سيضع شروط وحدود لممارسة الحب. 
بعد ليلة أمس كل كل القوانين ستتغير بما يتوافق مع نظرات الناس وربما تكون هي الليلة الفاصلة بين عاشقين! 
حينها وأنا أعيش هذا الموقف شعرت أن نظرات الناس هي من تفسد براءة الإنسان وتجعل الحياة أكثر تعقيدا .. بل هي من تدفع الإنسان نحو التطرف أكثر ليكون أكثر خوفا من الحياة، وهي الذئب الذي يتربص به في كل مكان، وهي من تدفعه إلى اعتناق قناعات غير قناعاته الحقيقية المتوافقة مع إنسانيته !

مروان الجوبعي