مقال للدكتور . ياسين سعيد نعمان : جدلية الوعي و الواقع


في ذاكرة الأمم محطات تظل حاضرة كأجراس لا يتوقف رنينها ، وكل ما تعمله هو أنها تعطل تفاعلات هذه الأمم مع متغيرات الزمن لتجاوز المحطة .
يتوصل قادة إيران ، في طبعتهم الجديدة ، إلى أن اليمن ، باعتباره أصل العرب ، هو البلد الذي يستطيعون بإسقاطه في أيديهم أن يعيدوا الاعتبار لفارس عما ألحقه العرب بالامبراطورية الساسانية في معركة القادسية .. المحطة التي غيرت مجرى التاريخ ؛ جغرافياً من التخوم الشرقية لبلاد العرب حتى حدود الصين الشرقية  .. أما حضارياً فقد أشعلت منارة البدء بحضارة اسلامية امتدت لقرون ، على الرغم من أنها لم تستطع أن تخمد النزعة القومية لقوميات ما وراء النهر وأكبرها فارس ، والتي ظلت تتشكل في أكثر من صورة من صور الصراع . 
سيقول البعض هذا لغو وفذلكة ..
أقول هذا مكر التاريخ .. تتشكل حلقاته في الوعي الذي يرحل داخل الأمة وفي عمقها ، ولا يتغير بما يصيبها من تبدلات عبر الزمن . لعبت "فارس" ما بعد كسرى دورين متناقضين في تلك الحضارة الاسلامية الصاعدة ، الدور الإيجابي الذي أثراها بالعلوم والمعرفة من ناحية ، والدور السلبي الذي ظل ينخرها من الزاوية التي ظل فيها انكسار الأمة بانهيار الإمبراطورية الساسانية محركاً لانتقام على أكثر من صعيد  وبأكثر من وجه من ناحية أخرى .   
صحيح أن جانبا ًمن الوعي هو انعكاس للواقع ، لكن الواقع هو الآخر يتشكل في جانب كبير منه بما يضخه هذا الوعي إلى الواقع المعاش من أفكار ، ومن مخزون تراثي ومعرفي ، وكبرياء ، وإذلال ، وانتصارات وانكسارات ، أي أن الوعي والواقع يتبادلان التأثير والتأثر في حركة جدلية لا تهدأ .. وتتشابك هذه الحركة الجدلية عند نقاط معينة ، ويتدخل المعنيون بالتاريخ لتسوية آلية عملها .
عملية التسوية تلك ، هي مكر التاريخ الذي يبقي وعي الأمة حاضراً عند أهم محطاتها نصراً أو هزيمة ، صعوداً أو انهياراً .
هذه المحطة أبقت فارس ، المضطرمة والمفعمة بالانتقام ، حاضرة في وعي أنظمة الحكم التي تلاحقت في إيران سواء كانت ملكية أو جمهورية ، علمانية أو ملالي ، سنة أو شيعة .  
لا أجد تفسيراً لهذا الإصرار على تدمير اليمن غير ذلك ، ولا قيمة لشهادة البعض عن "سلاح إيران" في معركة غزة الأخيرة ، إلا أنها مجرد غسيل سطحي لا ينفذ إلى العمق ، حيث تتجمع تراكمات لا يغسلها غير مغادرة هذه المحطة من التاريخ . 
تكمن المشكلة في الأنظمة التي توظف هذه التراكمات وليس في الأمة أو الشعب .
ايران أمة جارة للعرب ، ولا بد أن تغادر هذه المحطة من تاريخ لا يمكن أن يستمر ، بمعطياته المنشئة للحواجز النفسية ، حاكماً لعلاقة الشعوب والأجيال المتلاحقة ببعضها على هذا النحو المضطرب وغير المستقر .

مقالات الكاتب

برسترويكا جورباتشوف

في ربيع عام ١٩٨٩ عدت من "براغ" إلى "موسكو" بعد أن حضرت مؤتمر "الكوميكون" ، أي مجلس التعاون الاقتصادي...

اليمني إذا ضحك

اليمني إذا فرح (ضحك) قال "اللهم اجعله خير" !! لا يكمل ضحكته حتى النهاية ، يخاف أن تكون الضحكة فال شؤ...

الانسان حيوان منتظر

لكي تعرف معنى الانتظار عليك أن تتخيل نفسك في أربع حالات انتظار فقط :١-في قاعة الطوارئ في مستشفى عام...