بن مبارك… مهام سياسية يمنية بالغة التعقيد

أبى أن يكون مجرد تكرار لسابقيه، يتبنى توجهاً جديداً لا تقيده ولاءات حزبية أو ثارات بقايا التناحرات القديمة الجديدة في اليمن.

وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني د. أحمد عوض بن مبارك يجيد قراءة الواقع، منذ دراسته الجامعية في العراق، لم يهتم بشيء قدر اهتمامه بالكتب، ترك معظمها هناك عقب الاجتياح، لكنه كان قد قرأ الكثير منها.

الحال نفسه تكرر في واشنطن فعندما كان سفيرا لليمن في الولايات المتحدة الأمريكية وجدها فرصة للقراءة، فكانت مكتبته وكتبه من نوع آخر، قارئ نهم، سياسي واسع الاطلاع.

لنعود لمطلع العام 2015، عشية اختطافه من قبل المليشيات الحوثية، كان حينها مدير مكتب رئاسة الجمهورية، اتصل بي مدير مكتبه نسر الآنسي ليخبرني أن الدكتور بن مبارك يريد تقريراً مفصلاً عن المشاريع المنفذة في الوزارات الخدمية والمشاريع، قيد التنفيذ والمتعثرة منها وأسباب التعثر، عملت معه رئيساً لدائرة المرافق والخدمات العامة. اهتمامه شامل، أراد البدء بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل فورا، باعتبارها طوق النجاة لليمن من كارثة مرتقبة، لم يتحقق له ذلك.

اليوم التالي 17 يناير/كانون الثاني 2015 اختطف الدكتور بن مبارك في السابعة صباحاً وهو في طريقه للعمل، تفاقمت الأزمة السياسية بعد هذه الحادثة وأخذت منحى تصاعدياً، كيف لا وهو السياسي الذي يثق به رئيس الجمهورية ولازال، وهو من يحمل الملفات الأكثر أهمية، وهو الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني، ومرشح رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة، الترشيح الذي لم يلقَ قبولا من المليشيات الحوثية عام 2014.

السنوات التي أمضاها في العمل السياسي أقنعته أن الوضع اليمني لم يعد يحتمل مزيداً من الكوارث والمجاعة والأزمات، إنه يعرف بالتأكيد أن إنقاذ اليمن لن يكون إلا بهزيمة الانقلابيين الحوثيين، ومن ورائهم نظام الملالي في إيران.

مسيرته السياسية كرسها لحماية الثوابت الوطنية، والحفاظ على الدولة اليمنية الموحدة، وفق وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل باعتبارها السبيل لعودة السلام في اليمن.

استطاع إقناع وزراء الخارجية الأوروبيين والسفراء أن هناك مليشيات مسلحة سيطرت على العاصمة صنعاء، عبر انقلاب قامت به في سبتمبر/أيلول 2014. وشكلت خطراً على الإقليم والعالم. وكانت الدول الأوروبية قد تبنت مفاهيم مغايرة لذلك في السابق.

أعاد د. أحمد عوض بن مبارك للخطاب السياسي والدبلوماسي اليمني حديث الدولة، عادت الى الواجهة عبارات من نوع المليشيات الحوثية، ونظام الملالي في إيران.

واضح أن سياسة الدكتور بن مبارك هدفها استعادة الدولة اليمنية الموحدة، بهزيمة المليشيات الحوثية، وعدم السماح لإيران استخدام اليمن ورقة ضغط في محادثاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا. ويحمل مشروعاً لإعادة التوازن يعزز موقع الشرعية في التخاطب مع أمريكا وأوروبا والعالم الخطاب الذي يفهمونه.

يعرف بن مبارك أن القدر كلفه مهمة بالغة الصعوبة، إنه ليس وزيراً للخارجية وشؤون المغتربين، بل أكثر من ذلك.

هذه المهام جاءته في زمن متفجر، تكفي الإشارة إلى حادثة استهداف طائرة الحكومة في مطار عدن بصواريخ حوثية في 13 ديسمبر/كانون الأول 2020.

لا يتحدث بن مبارك عن فشل الحكومات السابقة التي تعاقبت منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015 في بناء نموذج الدولة الاتحادية في المحافظات المحررة، ولا عن العصبيات المناطقية والفساد غير المسبوق.

إنه يعمل وهو ينظر إلى الغد عبر رأب الصدع بين حلفاء الداخل، وترميم القرار، والالتزام بالاتفاقيات التي يرعاها الأشقاء، والقرارات الصادرة عن المنظومة الدولية.