الرئيس علي ناصر محمد يكتب.. مرور 39 عاماً على الاجتياح الاسرائيلي لبيروت

أرس لنا بعض الاصدقاء صوراً تذكارية عن زيارتنا والرئيس علي عبد الله صالح الى السعودية وسورية إثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان الشقيق في يونيو/حزيران 1982م، وكان هذا أول تحرك مشترك للقيادة في صنعاء وعدن بعد حربي 1972م و 1979م وحروب المنطقة الوسطى والاحتكام الى لغة الحوار بدلاً عن السلاح..
وهنا نقتبس أهم ما جاء في مذكراتنا عن هذا التحرك المشترك:
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كنتُ في زيارة لأديس أبابا، وتحدثت مع الرئيس منغستو هيلا ميريام في ما تعرّض له لبنان الشقيق من عدوان إسرائيلي بتواطؤ أميركي، وطالبته بأن نُصدر بياناً يندّد بالعدوان، وشعرتُ بتردده وغضبه من موقف العرب من وَحدة إثيوبيا ونظامها عندما قال: لقد قطعنا علاقتنا مع إسرائيل بعد الثورة، وحوّلنا مقرّ سفارتها إلى مقرّ لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومع الأسف، إن العرب، بمن فيهم منظمة التحرير الفلسطينية، يؤيدون أو يموّلون الانفصاليين الإريتريين والمعارضة الإثيوبية بالمال والسلاح، وأنتم الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانبنا منذ قيام الثورة وحتى الآن. ثم تراجع هيلا مريم عن موقفه ووافق على إصدار بيان مشترك يندّد بالعدوان. 
من أديس أبابا اتصلتُ بالرئيس علي عبد الله صالح، وطلبتُ منه أن نقوم بجهد مشترك ونطلب عقد مؤتمر قمة عربية، وأعربتُ له عن استعدادي لزيارة صنعاء للتشاور معه بشأن إعلان موقف يمني موحَّد من الاجتياح. وبعد العودة إلى عدن استأنفتُ اتصالاتي به، واتفقنا على أن نلتقي في صنعاء، ومنها أجرينا اتصالات مع الأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي، في تونس، فرحّب بالمبادرة، وأجرى اتصالاته مع الدول العربية. ولكننا كنا حرصاء على أن نتوجه إلى المملكة العربية السعودية للحصول على مباركة الأمير فهد لاجتماع القمة العربية، وطلب دعم جوي وبحري لنقل القوات اليمنية إلى لبنان للدفاع عن بيروت. وفي الطائرة اتفقنا على أن يسبقني الرئيس صالح في الخروج من الطائرة، وأن يكون هو المتحدث الأول مع الأمير فهد بشأن ما أشرتُ إليه أعلاه، ومن جانبي سأكون المتحدث الأول مع القيادة السورية في دمشق بشأن القمة ودعم لبنان وفلسطين عسكرياً، وقد وافق الرئيس صالح على هذه الفكرة. 
كان الاستقبال ودّياً من جانب الأمير فهد بن عبد العزيز في المطار، رغم حرارة الجو الشديدة في هذه البقعة من ساحل البحر الأحمر في شهر أغسطس/ آب عام 1982م، إلا أنّ العاطفة الأخوية التي أبداها هو والمستقبلون جعلتنا ننسى قسوة المناخ الذي لا يُقارَن بقسوة المناخات السياسية والإنسانية المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ومعاناة إخواننا اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان.
بعد كلمات المجاملة وثنائنا على الضيافة العربية الكريمة، طلبت إلى الرئيس علي عبد الله صالح أن يتفضل بالكلام، فعرض المبادرة بإيجاز، وعرّج على مواضيع القمة والدعم المالي والعسكري وغيرها..
رحّب الأمير فهد بزيارتنا وأيّد ما نودّ تحقيقه، وركز على المخاطر الكبيرة المتمثلة بالاجتياح الإسرائيلي لبلد عربي عزيز، وبضرب المقاومة الفلسطينية واللبنانية..
وقال: "نحن لا نبخل، أيها الرئيسان العزيزان، على المقاومة الفلسطينية بأيّ شكل من أشكال الدعم والمساندة. فيما يتعلق بالقمة العربية، لا مانع لدينا، ومن الأفضل أن تناقشا الموضوع مع سيادة الرئيس حافظ الأسد، والرؤساء الآخرون، وأيّ أمر تتفقون عليه سيحظى بموافقتنا". 
كنا على ثقة بأننا سنجد، في سورية دعماً للمبادرة التي جئنا من أجلها. على الأقل لم يكن يراودني أيّ شكّ بحكم معرفتي بالرئيس الأسد وعلاقتي الشخصية والرسمية الطويلة والعميقة معه. وبالفعل، بعد الاستقبال الحار الذي خصّنا به الرئيس الأسد في مطار دمشق الدولي، بدأت المحادثات الرسمية، فقمت أنا بالحديث بناءً على اتفاقنا، فأصغى الرئيس السوري باهتمام وتقدير، وتكلم بعد ذلك معرباً عن ارتياحه لهذا التحرك اليمني المشترك، وما يعبّر عنه على كل صعيد، مبدياً استعداده للتعاون لأجل إنجاح المهمة، ودعانا للاتصال بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لتدعو من جهتها الملوك والرؤساء إلى عقد القمة. 
وبعد شكره إيانا على الدعم العسكري، أشار إلى أهمية مساندة الأشقاء السعوديين لهذا المشروع وتحمّلهم نفقاته. وأكد أنّ المعركة يجب ألّا تبقى بين العدو الإسرائيلي وكل من الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، وحدهم، وينبغي أن يتحمل العرب جميعاً مسؤوليتاهم. وركز الرئيس الأسد في الوقت نفسه على أنّ هاجس سورية ليس في توسيع نطاق الحرب الدائرة رحاها على أرض لبنان، فتُستدرَج فيها سورية إلى مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل تكون فيها منفردة. خرجنا من دمشق بانطباع جيد عن الصمود والوعي، والتصميم على مواجهة الصعاب، مهما اشتدت، ولمسنا لوماً ضمنياً لقوى ودول عربية تستنكف عن أداء دورها القومي بشكل أو بآخر.
فور عودتنا إلى صنعاء، أجرينا اتصالات بالمعنيين، وفي مقدمتهم الأمين العام للجامعة العربية السيد الشاذلي القليبي، ليقوم بدوره بالاتصالات اللازمة، وقلنا له إننا نترك له أمر اختيار المكان والزمان الذي سيجتمع به الملوك والرؤساء. لم نكتفِ بذلك، بل قمنا باتصالات مباشرة بالزعماء العرب، وبإرسال وفود لهذه الغاية. كنا نعرف المصاعب، والحساسيات... والتلكؤ والرغبة في التهرب من تحمّل المسؤولية. لكننا رغم ذلك، ثابرنا وواصلنا تحركنا، وبرزت بعض المؤشرات الإيجابية على اكتمال نصاب انعقاد مؤتمر القمة. ولكن يبدو أننا أفرطنا في إظهار تفاؤلنا وحسن نياتنا. وها هي الدلائل تتسارع، بين لحظة وأخرى، على حصول عملية عدّ تنازلي... وها هي بعض الدول العربية تتراجع، الواحدة تلو الأخرى، عن فكرة عقد القمة، حتى أحبطت العملية نهائياً! لم يعد أمامنا، والحالة هذه، سوى إعلان سحب مبادرتنا، وهو ما فعلناه في التاسع من أغسطس/آب 1982م.

مقالات الكاتب