مات وهو يحلم بوظيفة حكومية

نزار عمر آدم شاب عدني في منتصف العمر  ملتزم  ويحمل قيما قل نظيرها في هذا الزمن عاش وهو يحلم أن يحصل على وظيفة ليقي أولاده الحاجة في حال اصيب بمرض او مات كما قال لي لكنه رحل مبكرا  .

رحل المهندس الكهربائي ابوعمر تاركا خلفه أولاده الثلاثة وزوجته اطفال اكبرهم فطوم والتي  لا تتعدى العاشرة من العمر.

 قبل موته بعشرة أيام  جاء لزيارتي وهو مثقل بالهموم والحسرة من قتامة الوضع المزري الذي نعيشه جميعا  ليقول لي كل حلمي أن أجد وظيفة تؤمن لاولادي  راتب شهري فأنا أعاني من كتمة وضيق في التنفس والكلى ايضا .

 وكأنه يودعني وهو يشرح لي امنيته . رغم أن معرفتي به امتدت لست سنوات لم يسبق أن حدثني عن احلامه  غادر منزلي متوجه الى بيته وعلامة الحزن بادية على وجه كان يفكر بأسرته الصغيرة وكيف ستكون حياتهم بعده .

لم اكن مدرك انه اللقاء الاخير لي به  وأن حديثه عن خوفه من القادم في ظل عدم وجود وظيفة تؤمن لأسرته قليل من الدخل يحفظ لهم كرامتهم في حال تركهم وغادر الحياة هي شعور بحجم اوجاعه وشعور بان أيامه باتت معدودة .

وبينما كنت منشغل بعملي   وصلتني رساله من رقم لم اكن اعرفه فتحتها واذا بها صديقك ابوعمر يرقد في محجر صحي ادعي له بشفاء انه مصاب بفيروس كورونا .

سألت من معي فردت ام عمر قلت لها مازحا ابو عمر يتمتع بصلافه أنه قادر على  تجاوز محنته ثقي انه قادر على هزيمة  عزرائيل .

لتقول  لي ادعي الله له بشفاء فهو يعاني من صعوبة التنفس ولم تعد رئته قادرة على العمل طلبت منها أن تزورها العائلة غدا  فردت لا تستطيع استقبال احد فانا أشرف على ممرضة زوجي ولا اريد  لعائلتك أن تصاب بالفيروس سألتها ما الذي يمكن أن أقوم به لتقول  لدينا كل شيء كل ما نحتاجه هو الدعاء لابو عمر .

لم يحزنني موته فكلنا سنموت وهذه سنة الحياة بقدر ما أحزنني أن الجميع تخلى عنه بما فيهم انا  ليس كرها له وانما خوفا من العدوى وما أصعب أن يشعر الإنسان وهو يعاني سكرات الموت بأنه بات منبوذ من الأصدقاء الذي  منعهم الخوف من  زيارته كيف لا والجميع يرفض التوجه  الى المستشفى لتزداد  الصعوبة وانت ترى اخوتك واقربائك يهربون منك لم تجد غير زوجتك وحيدة تعاني من تحمل معاناتك دون أن تجد من يخفف عنها اوجاعها وخوفها على زوجها وبنفس  الوقت خوفها على نفسها التي انساها انين والام شريك حياتها ذلك الخوف الذي ارتسم بوضوح على أقربائها وأقارب زوجها وأصدقائه لتجد نفسها  ايضا  منبوذة وحيدة غارقة في دموعها وهي تدعو الله أن ينقذ زوجها وينقذها من وباء اصابهم.

حتى صديقاتها  ممن تحضر لتعزيها لم تجد واحدة منهن تطبطب عليها او تمسك يدها وهي المكلومة و المفجوعة  بممات اعز الناس الى قلبها  فالجميع يلقي عليها السلام من بعيد وهم يرتدون الكمامات ويحملون في شناطهم المعقمات كم هو محزن أن تعيش تلك اللحظات الموحشة

 لاحظت كيف صدمت ابنته رغم صغر سنها عندما علمت بموت والدها لم اشعر انها كانت تبكي كما يبكي الأطفال كان بكائها يحمل بين دموعها الكثير من المآسي وكأنها تتساءل لماذا ابي لماذا نحن من كتب علينا أن نعيش ايتام .

تمنيت لولم اراك يافطوم ولم أرى اخوك الصغير الذي لم يستوعب ماحدث فهو مازال طفل صغير غير مستوعب انه لم يعد يرى والده كان مرعوب وهو يشاهد كي  تبكين اباكي .

مهما حاولت ان ارثيك ياصديقي  نزار فلن اتمكن فمن خلالك احببت عدن واحببت ناسها وسوف  اظل افتقد الى صوتك وانت تناديني  مازحا   متى ترحل ايها الدحباشي من بلادنا والابتسامة ترتسم على شفتيك.

أرجو أن تسامحني لعدم زيارتي لك رغم معرفتي بمرضك وإن كان بوقت متاخر لا اني كنت كبقية أصدقائك تخليت عنك في وقت كنت في امس الحاجة لي ولغيري اعترف بعد موتك كما كنت جبان وانا اتفادي زيارتك خوف من الموت رغم انه اتي لامحاله.

 الرحمة والخلود لروحك الطاهر وجعل الله الجنة مثواك

مقالات الكاتب