استراتيجية الردع العسكري للتحالف العربي

عندما تشتد المعارك وتشتعل نيران الحروب وترتفع أصوات المدافع وأزيز الرصاص فهنا يبدو الأمر مختلف جداً تغيب وتضعف  أصوات المنادين بالسلام وبالدبلماسية واستخدام القوى الناعمة ولغة الحوار.. وعندما تخرس أصوات المدافع والبنادق وتعلو أصوات السلام وتبدأ قاعات السياسة والحوارات بالتفاعل وتتحرك الدبلماسية لتفرض لغة السلام تعطي بصيص من الأمل كي يتحقق هذا المراد.

غير إن ما نراه مختلفاً تماماً عما كنا نتمناه أن يتحقق هاجس السلام، فملامح المشهد العسكري للتحالف العربي وتغيير سياسة الردع العسكري للتحالف العربي، ربما قد توحي بإن شيئاً ما قد يتغير أو أن هناك معطيات وفرضيات أخرى يستخدمها التحالف لتحقيق الاستراتيجية العسكرية التي تمر بمراحل صعبة لتحقيق الهدف التي كانت تريد له أن يتحقق باستخدام كل هذه الأوراق التي دفعت بها في المسار العسكري والسياسي ومع هذا كله لا يزال تحقيق النجاح مستحيلاً ومستبعداً وإنه لا بد من تغيير سياسة الردع العسكري للتحالف وتبديل الخطط والفرضيات للحرب التي تمر بعامها السابع وتشرف على نهايته دون إحراز إنتصار سياسي أو عسكري قوي يضمن لها الجلوس على أرضية صلبة وإرغام الحوثيين على الجلوس في طاولة حوار وفرض ما استحالة تحقيقة بالحرب تحقيقة بلغة الحوار وإحراز نصراً سياسياً على أقل تقدير لإخراج الجميع من عنق الزجاجة.
ومع تغير مسار الحرب للتحالف العربي واستخدام مسار عسكري وسياسي آخر تراه كخطة بديلة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية ولو تطلب الأمر إلى تحقيقه أعواماً أخرى أشد معاناةً وفقراً من سابقاته.

فمن خلال قيام التحالف العربي بالضربات القوية والموجعة الأخيرة في صنعاء ومناطق أخرى لتحييد القوة الحيوية والفعالة للحوثيين وخصوصاً التي تهدد التحالف وحلفائه في الداخل وفي العمق السعودي فتركيز ضرباتها على ورش التصنيع للطيران المسير والصواريخ البالستية ومخازن الأسلحة والذخيرة في مقر الرئاسة وجبل النهدين في العاصمة صنعاء يوحي بإن هناك عملاً إستخباراتياً دقيق ودعماً لوجستياً لصالح التحالف وربما بمساعدة معلومات من الداخل أو دعماً لوجستياً بمساعدة طيران السطع الأمريكي بدون طيار طيران الأواكس.. بالتنسيق مع الجانب الأمريكي وخصوصاً بعد حصار الحوثيين للعاملين في السفارات خصوصاً السفارة الأمريكية في صنعاء وتشديد الرقابة المفروضة عليهم وإحتجازهم، مما أثار حفيضة الخارجية الأمريكية وإدانة هذا التصرف الذي أزعج الأمريكان.. ومما يظهر أيضاً دقة المعلومات القارات المتتالية والمركزة داخل العاصمة صنعاء هذه المرة وتحقيق إصابات دقيقة لأهداف مرصودة ومهمة وأيضاً ما شاهدناه من عرض مقطع مسرب عبر قناة الحدث يكشف فيه التحالف العربي إستخدام الحوثيين لمطار صنعاء الدولي كحقل تدريب للمليشيات وإضهار عناصر يمنية تدربت على يد خبراء في إيران وهي تحاكي أهداف مفترضة كاستخدام الطيران الأممي فوق مطار صنعاء المدني للتدريب على أغراضها العسكرية.. وهذه الحقائق والأدلة الدامغة التي تثبت بالصوت والصورة جعلت التحالف العربي يفضح ويعري هذه المليشيات وينتقد بشدة الصمت المريب للمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العاملة داخل صنعاء إزاء هذه التصرفات والأعمال الخارجة عن القوانين المعمول بها. أيضاً إستخدام الحوثيين للمنشئات المدنية والحيوية والأعيان المدنية لأغراضهم العسكرية وجعل المدنيين كدروع بشرية لتحميل التحالف المسؤولية أمام المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وإفشال التحالف في إصطياد أهدافه المشروعة التي تشكل خطراً حقيقياً له مما يجعل من هذه الأهداف أمراً في غاية الصعوبة للإستهداف لكونها بين منشئات مدنية أو مرافق أو وجود تجمعات بشرية فيها أو بالقرب منها. 

نسف إتفاق إستوكهلم وإعادة التموضع والتمركز للقوات المشتركة في الساحل الغربي بالرغم من الخسائر التي قدمتها ألوية العمالقة والقوات المشتركة في بداية الأمر هناك لكن سرعان ما أشتدت المعارك وإعادة زمام المبادرة هناك وتحقيق انتصارات نوعية لقوات العمالقة الجنوبية والقوات المشتركة والقوات المتواجدة ضمن نطاق المسؤولية من أجل التقدم العسكري وتحقيق إنتصار عسكري يذكر بإتجاه مدينة الحديدة على المليشيات الحوثية، وأيضاً من أجل تخفيف الحصار المفروض والمطبق والمتزايد على جبهة مأرب من قبل الحوثيين وإفشال رهانهم على حلم السيطرة الوشيك على محافظة مأرب الغنية بالنفط التي لطالما ظل الحوثيين يتغنون بأنهم بين قوسين أو أدنى من الإنتصار العظيم بإستعادتها من الشرعية وضمها إلى باقي المحافظات الشمالية التي تقع تحت سيطرتهم.

أيضاً تهدف هذه الضربات إلى شل القدرات القتالية لدى الحوثيين وبعثرة خططهم القتالية الإستراتيجية وتشتيت المجهود الرئيسي لهم وفقدهم لعناصر القيادة  والسيطرة لتحقيق الحسم العسكري خصوصاً في ظل البيئة المناسبة والفرصة المؤاتية لهم داخلياً بوجود صراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية، وخارجياً لإقناعهم بالجلوس على طاولة الحوار وإستئناف لغة الحوار مراعاةً للوضع الإقتصادي الكارثي والإنساني المزري وبسبب إطالة أمد الحرب استفحلت الأزمة في هذا البلد دون وجود نوايا حقيقية لحل الملفات الساخنه والقضايا والمشاكل المركبة والمعقدة.

بيد إن الحوثيين لديهم عقيدة قتالية مشابهة للعقيدة القتالية للحرس الثوري الإيراني ولمليشيات إيران العقائدية والمتشددة في المنطقة وبإعتبارهم أحد أذرع إيران التوسعية في المنطقة مما يجعل منها معادلة صعبة للقبول والتعاطي مع المتغيرات السياسية الأقليمية والدولية لحل الأزمة وإنهاء الصراع والنزاع المسلح العسكري والسياسي والإقتصادي.

مقالات الكاتب