فتحي بن لزرق
وانا صغير أجبرتني الظروف وأسرتي على التنقل بين مدن يمنية عدة..
ومابين مدينة واخرى تشكل وعيي وثقافتي وشخصيتي وسلوكي ولست انا وحدي بل اسرتي كافة .
الاسرة البدوية القادمة من "ابين" القاطنة في حوافي الشيخ عثمان تتلمس مباهج الحياة التي يعكسها "العدني" بكل شيء جميل بحياته ابتدأ بلباسه الانيق وحتى لفظه لمخارج الكلمات ..
الاسرة "العدنية" القادمة الى تعز عقب 1986 لم يسألها قط مواطن ما من تعز من انتم وماهي اصولكم وماجاء بكم؟
من منزلنا الصغير في الشيخ عثمان ،تأملنا لسنوات طويلة العدانية وحياتهم وطقوسهم وواقعهم البسيط ومع حلول كل مساء كنا نغلق باب بيتنا على أمل ان نكون جزء من هذا المجتمع وهذا الواقع الذي احببناه .
لم نفكر قط ان نجرهم قط الى واقعنا ،كانت ارواحنا تهفو للحظة التي سيجروننا اليهم.
لسنا وحدنا من قام بذلك ، كل القادمين الى عدن ومن كل مكان مارسوا ذات الشيء.
وفي ذلك لم نسأل جارنا من انتم؟ من اين انتم ؟ من هو جدكم؟ كنا نعرفهم (عدانية) والى هنا ينتهي المطاف..
وماخلف ذلك لم نسأل قط ولم يسمح لنا أهلنا بتجاوزه.
عشنا سنوات طويلة من الإنبهار بهذا المجتمع الذي لم يسأل القادمين الى مدينته ووطنه ماجاء بكم وماذا تريدون من مدينتنا؟ ..
نحن القادمين من الريف لسنوات طويلة وعقود كنا نشعر بحجم التفوق (العدني) وحاولنا قدر الإمكان ان نجاريه .
وتفوق العدني لم يكن لا بسلاحه ولاقوته ولاقبيلته ، كانت مدنيته وثقافته ومستوى تعليمه هي عناصر قوته الأساسية.
اول ماتختلف مع العدني يبادرك :" هيا رحنا الشرطة.. (قيمة الدولة والنظام)
وأول ماتغلط على العدني يبادرك :" عيب يا ابني .. (عظمة السلوك)
وأول مايشوفك تمارس فعل مرفوض يبادرك:" ماينفعش ( ثقافة الرفض المجتمعية لكل ماهو خاطئ)
تعايشوا معنا وفتحوا لنا قلوبهم قبل مدينتهم وافسحوا لنا المجال في كل شيء ، دونما دراية واحساس ودونما حسابات مسبقة وجدنا انفسنا نحاكيهم بكل شيء ثقافة ولبسا وتحضرا ومدنية ..
وظلت هكذا "عدن" كلما قدم اليها اقواماً جدد خلعت عليهم ثوب مدنيتها وتحضرها حتى العام 2015 حينما تصدر المشهد شلة غوغاء جنوبية دققت في أصول الناس وهوياتها ونزعت عنها حقها حتى في قول ابسط الأشياء مخالفة ..
كان تغييرهم اكبر من قدرة "عدن" على التغيير ،لذلك نصبوا مشناق الإدانة بكل شارع وزقاق ..
وحاكموا الآراء .. وطاردوا عقول الناس وفتشوا دواخلها ..
هي رواية تحكى عن الأصول التي باتت معياراً لكل شيء.
ذات يوم قررت ان أكون انفصالياً وطوال سنوات انفصاليتي كنت بنظرهم عدنيا بدوياً جنوبياً اصيلاً حتى قررت ان أقول مايخالف قناعاتهم فاصبحت بقدرة قادر "تعزيا جحملياً".
ومثلي سُقيت عدن من نفس الكأس فبات أي عدني يحمل رأي مخالف او فكرة مخالفة لهذا القطيع المناطقي مشكوكاً في اصوله وانتمائه ومنطقه ومناطقه .
سافرنا الى صنعاء وتعز والحديدة وهذه الأخيرة عشت فيها لعامين لم يسألني أحدا ما عن أصولي ولم يٌسأل الناس قط عن اصولهم، يكفي في هذه المناطق وغيرها ان يتحسس الناس انك من عدن حتى يأخذوك الى داخل قلوبهم..
وحده واقع مابعد 2015 لايشبهنا ولا يشبه نفسه ولايشبه أي منظومة أخلاقية يمكن الاتكاء عليها .
مشاريع الحقد لن ترتفع الا على أكوام جماجم الناس وأحلامها وأمانيها وفي طريقها الى زوالها قد تدوس كل شيء حتى تلقى حتفها.
هذا القطيع من ناشري الكراهية والاحقاد جابوا الصخر والواد سألوا الناس عن هوياتهم واهوائهم ومناطقهم ومنطقهم ورأيهم وجراحهم ومحصوا في كل شيء .
تشعر بالحسرة وانت ترى العدني يداري لقبه منذ العام 2015 وكأنه يخفي عاراً عن الأنظار..
أيش اصلك ؟
من جدك ؟
جدك جاء من الشمال صارت تهمة وعليك ان تدفعها، جدك جاء من خارج اليمن تهمة إضافية تريد النيل من مشروعهم هذا ..
الاعتذار عما لحق عدن وابنائها ضرورة وطنية ملحة.
الاعتذار عما لحق أبنائها تحديدا عقب العام 2015 واجب أخلاقي..
الاعتذار لأهل هذه المدينة عن كل ضرر طالهم ونهب لحقوقهم وإساءة امر يجب ان نقف امامه بتجرد..
ورفض هذا المشروع وعدم القبول به المدخل الأساسي لإستعادة حق الانسان في الا يكون لقبه تهمة يعاقب عليها ..
وعاشت عدن وعاشوا العدانية رمزاً لكل ماهو جميل.
فتحي بن لزرق
13 يونيو 2022