ماذا بعد تهديدات الحوثي للسعودية؟؟!
منذ نحو شهر وأكثر، وبالتحديد منذ صدر قرار البنك المركزي اليمني التابع للحكومة اليمنية المعترف بها إ...
كان الوقت يقترب من الظهيرة عندما وصلنا إلى مطار مقديشو، الذي لم يكن مطارا حقيقيا. وكان ذلك عام 2005 في زمن ظهرت فيه جماعة شيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الإسلامية في الصومال، وكان لها السطوة بعد أن هزمت جميع خصومها.
كنت في بداية عملي الميداني، فقد التحقت بالجزيرة فقط قبل عام واحد، وكنت متشوقا لدرجة كبيرة لتغطية أي حرب ولو كانت في الصومال.
كانت حرب الصومال آنذاك عنوانا رئيسيا في معظم الشاشات العربية وخاصة الجزيرة، وكنت نهما للحضور وتثبيت الأقدام كصحفي في بداية عملي الميداني، وكنت أريد شيئا يشعرني بالإنجاز وسط ظلال من التحدي أحاطت بداية تجربتي مع قناة الجزيرة التي التحقت بها في يونيو/حزيران 2004 كمراسل اقتصادي بالإضافة إلى مراسل عام.
لم تكن الأخبار التي تأتي من الصومال جيدة على الإطلاق، وكان الوضع مخيفا، ولأني أكتب عن الرحلة بعد 17 عاما مستذكرا بعض أحداثها؛ فسأحاول استجماع الذاكرة والقبض على ما تبقى من معلومات فيها لأن الكثير منها ضاع في خضم الأحداث الكثيرة.
لا أعرف في ذلك الوقت شيئا عن الصومال سوى الكارثة التي أراها يوميا أمام عيني في صنعاء للآلاف من الصوماليين والصوماليات الذين فروا من جحيم الحرب والأوضاع في بلادهم إلى صنعاء ومدن أخرى وأوضاعهم المعيشية يرثى لها، غير أن صنعاء ومدن اليمن فتحت أبوابها لهم بكل حب.
كانت منطقة السنينة بصنعاء تعج بالكثيرين منهم، وكان علي عبد الله صالح رئيس اليمن الراحل لا يفتأ يذكر لفظ "الصوملة" في خطاباته لتهديد معارضيه ومواطنيه من أن اليمن قد تصبح صومالا إذا انفلتت الأمور، وقد أصبحت اليمن بوضعها الحالي أكثر من ذلك، وكأن صالح أعدها لذلك؛ سواء بسنوات حكمه الفاسد أو بفترات انتقامه بعد رحيله مجبرا عن الحكم.
تلك كانت كل معلوماتي عن الصومال بالإضافة إلى ما قرأته عن انهيار الدولة في أثناء حكم "محمد سياد بري" الجنرال الذي قاد بلاده للحرب عام 1991.
وإن أكثر ما يجيده العسكر دائما قيادة بلدانهم نحو الهاوية.
وصلنا من صنعاء إلى جيبوتي في رحلة أذكر أنها قصيرة، وهناك في جيبوتي قضينا يومين على الأقل نبحث عن طائرة خاصة تقلنا إلى مقديشو، لكننا لم نتمكن من ذلك. وعندما زرت جيبوتي عام 2005 بدت كأنها قطعة من اليمن، حتى اللهجة اليمنية هي اللهجة التي يتحدث بها بعض أهالي جيبوتي، وسمعت عشرات القصص عن عشرات من رجال الأعمال اليمنيين الذين تستدين منهم الحكومة الجيبوتية.
وهناك أسواق "القات"، وهي العشبة اليمنية الشهيرة المعروفة في جيبوتي والصومال وأثيوبيا، ويوجد أيضا المطاعم اليمنية، وكذلك الزي نفسه لدى بعض مواطني جيبوتي.
قضينا يومين على الأقل في جيبوتي الصغيرة قبل أن يقال لنا إن هناك طائرة ستقلنا من جيبوتي إلى مقديشو. وصلنا إلى المطار؛ وإذ بالطائرة من ذلك النوع الذي لا أعرفه تبدو كأنها قطع غيار وليست طائرة. تبادلنا أنا والمصور نظرات استغراب وتفحصنا هيئة الطيارين وكانوا من روسيا، ثم صعدنا على الطائرة ونحن لسنا متأكدين تماما من كوننا سنصل.
المقاعد المهترئة تذكرك بكراسي الباصات القديمة، وفي الطائرة ركب معنا بعض العائلات، وكانت رائحة البترول مختلطة برائحة غريبة، وصوت عال يصدر من محرك الطائرة.
لم نكن متأكدين فعلا من أننا سنصل، لكننا في الأخير وجدنا أنفسنا في مطار مقديشو.
وصلنا الساعة الـ11 ظهرا. ولم يكن المكان الذي هبطت فيه الطائرة مطارا؛ بل كان مجموعة سياجات وبعض الحراس، ولا أتذكر أن هناك من كان يختم الجوازات.
خُيّل إليّ أنني عندما أصل إلى مقديشو سأسمع أصوات المواجهات، لكن الوضع كان هادئا.
استقلينا سيارات فيها مدنيون مدججون بالسلاح، ونحن في الطريق إلى مكتب الجزيرة شاهدنا الدمار والخراب الذي حل بمقديشو في ذلك الوقت جراء قتال أمراء الحروب وتدخلات دول المنطقة ودول العالم قبل أن تحكم المحاكم الإسلامية قبضتها على البلاد.
وصلنا إلى مكتب الجزيرة بمقديشو، وهو ربما العمارة الوحيدة ذات الثلاثة أدوار -كما أتذكر- التي تبدو على حالها، وكانت مبنى يتوسط مبانيَ مدمرة وآيلة للسقوط.
استقبلنا الزملاء هناك، وأول ما فكرت به هو أن أعد تقريرا عما يجري. كانت الأوضاع هادئة بالطبع في ذلك اليوم، لكن كان لا بد من تقرير يرصد ما جرى.
كانت المحاكم الإسلامية التي أسسها شيخ شريف أحمد قد بسطت سيطرتها على مقديشو وبقية مناطق الصومال، حيث حسمت لصالحها المعركة وهزمت زعماء القبائل المتحالفين. وكان الناس يريدون أي جهة تحسم الصراع لصالحها، وكانوا يشيدون بأعضاء المحاكم الإسلامية في الصومال وبالأمن الذي ساد قبل أن تأتي القوات الإثيوبية فتهزم المحاكم الإسلامية ويفر شيخ شريف وقياداتها.