ماذا بعد تهديدات الحوثي للسعودية؟؟!
منذ نحو شهر وأكثر، وبالتحديد منذ صدر قرار البنك المركزي اليمني التابع للحكومة اليمنية المعترف بها إ...
لم أكن أتوقع قبل 16 عاما حين زرت مدن الصومال -مقديشو، وبيدوا، وبوصاصو، وكل المدن الصومالية التي مررت بها عقب الحرب- أن اليمن سيغرق في دوامة الاقتتال والتدخل الخارجي، وأنه سيدفع ثمنا أكبر من كل الدول التي سبقته لذلك المصير.
اليمن اليوم يعد صورة لذلك الواقع، الذي شهدناه قبل أكثر من 30 عاما في الصومال وإريتريا وإثيوبيا والسودان، وكل تلك البلدان في شرق وشمال أفريقيا؛ مليشيات وأمراء حرب، وتدخل خارجي وفقر وموت وحرب مستعرة واقتتال أهلي. ولا أظن أن ذلك سيتوقف قريبا؛ فشلالات الدم لا تتوقف، وإن توقفت بشكل ما، فإن آثارها تبقى حتى في تلك الدول الأكثر استبدادا وحزما.
لكأن جوار الحرب يورث حربا وموتا، وجوار الرخاء يورث استقرارا. وقد تصلح هذه النظرية -على غرابتها- إذا ما تأملت مناطق الصراع ومناطق الاستقرار.
لقد سنحت لي الفرصة أيضا أن أزور أسمرا، عاصمة إريتريا، وأن أغطي من هناك أحداث لقاءات جرت بين الفصائل السودانية لعدة أيام.
لكنني للأسف، لا أتذكر الكثير من زيارتي إلى أسمرا والحدود السودانية وجيبوتي، التي أجريت فيها حينها لقاء مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي.
في أسمرا أيضا، دخلت بيت الرئيس أسياس أفورقي عام 2005، في لقاء صحفي سريع مع مجموعة من الصحفيين بشأن استضافة أسمرا لقاءات الفصائل السودانية حينها، ولم أعد إليها مرة أخرى، غير أن بعض التفاصيل تفرض نفسها على ذاكرتي لتلك المدينة، التي حافظت على طرازها المعماري الفريد.. ربما لأن الحرب لم تصل إليها، بعكس المدن الإريترية الأخرى.
أتذكر تلك المدينة الهادئة الوادعة، التي يمكنك فيها مشاهدة الكنائس والمساجد والمباني بطابعها المعماري الإيطالي، رغم أنك في قلب أفريقيا.
وأتذكر كيف لم أتمكن أنا والمصور الذي شاركني الرحلة في ذلك الوقت، قبل 17 عاما، من صرف مبلغ من الدولار إلى العملة الإريترية، بسبب قيود حول ذلك تفرضها الحكومة.
عندما أنهت الفصائل السودانية مؤتمرها في أسمرا، وجدنا أنفسنا نقطع مسافة طويلة بالسيارة، من أسمرا إلى شرق السودان.. كان الطريق صعبا.. مررنا بجبال ومنحدرات، وقضينا ساعات طويلة للوصول إلى الحدود السودانية الإريترية، لتغطية وصول أول طلائع قوات قرنق إلى هناك، تمهيدا لدخولها بعد ذلك إلى السودان، بعد توقيع الحكومة السودانية اتفاقا ينهي حرب الجنوب.
لم أزر السودان ولم تسمح لي الظروف بزيارتها، سوى في هذه التغطية الإخبارية الوحيدة على الحدود. لكن جون قرنق رحل في حادثة سقوط طائرة بعد ذلك بوقت وجيز، وتعثرت خطوات الوحدة بين الجنوب والشمال فانفصل الجنوب، وما زالت الحرب هي سيدة الموقف في ما أصبح بعد ذلك بلدين.. صحيح أنه لم تعد هناك حشود تتقاتل بنفس ما كان عليه الوضع من قبل، لكن السودان ما زال يدفع ثمنا باهظا في كل دقيقة تمر.
ليس السودان وحده، فكل هذه الدول الصومال وإريتريا وإثيوبيا التي وجدت نفسها تحارب لأسباب كثيرة، لا تزال تعاني من فواتير الحروب وتكاليفها حتى اليوم، ولا يوجد بلد منها خرج تماما من المأساة، إذ نراها بصور مختلفة في الأحداث وفي شاشات الأخبار، حيث الإنسان جائع ومقهور، وحيث وسائل الأمن المستدام منعدمة، وحيث الأوضاع مفتوحة على كل احتمال.
إن أصح مقولة تنطبق على تلك الحروب -ما نسب إلى بنجامين فرانكلين- "لا تدفع قيمة الحروب في وقت الحرب، الفاتورة تأتي لاحقا"