القبيلة والمناطقية والمجتمع !

من أهم المشكلات التي تضرب الجنوب في كل مرحلة المناطقية وهي داء يحاول الكثير من النخب التهرب منه ومحاولة نفيه وإظهار ما يخالفه مجتمعيا .

المناطقية داء سببه الرئيس هو الانتماء للقبيلة لا للوطن رغم الحب الكبير للوطن عند الكثير .. إلا إنهم يعودون للقبيلة كلما ضاق بهم الحال أو تعرضوا لنكسة ما سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العسكري والأمني ..إلخ .

ضعف الانتماء للوطن قياسا بالقبيلة ينتج دائما مجتمعات صغيرة ضعيفة متوازية غير متقاطعة ولا يقبل بعضها بعضا وتتسم بالتناحر والتصارع من أجل السيطرة على أكبر قدر من الوطن لمصلحة القبيلة !

لم تنجو من داء القبيلة أي منطقة في اليمن شمالا أو جنوبا،  قبل الوحدة أو بعدها .. عدن فقط من فعلت ذلك !

فعلته لأنها مدينة خلقها الله متنوعة فحوت من كل بستان أروع زهره ومنحت ذلك الزهر بعضا من عبق روائحها الجميلة .

جاء المستعمر البريطاني وثبت ذلك التنوع ثم استقل الجنوب وعاد المستعمر إلى أدراجه وتنوع القادة في جنوب ما بعد الاستقلال وقتل الإمام وانتهت الإمامة وقتل معه حكم السيد الهاشمي الزيدي الأوحد .

عادت القبيلة لتأخذ موقعا عميقا هناك في الشمال اليمني في صراع القيادة والحكم .. وكذلك حدث في الجنوب !

تمكن الحزب الاشتراكي في عدن بعد ارتكاب جرائم وحشية وإذلال عميق للقبيلة فبات الحكم خارج مسارها وأعيدت بعض من الروح المدنية لعدن تحديدا والجنوب عامة رغم كل الشوائب التي رافقت تلك المدنية .. بينما بقيت القبيلة هناك في صنعاء سبدة كل المواقف وأحد أهم أركان الحكم !

توالت السنوات وأصبحت اليمن موحدة سياسيا ثم بعد حرب ضروس عام 1994 بات الشمال بقيادة علي عبدالله صالح ومن معه من قبائل وأحزاب ومكونات مجتمعية مختلفة بشكل أو بآخر محتلا للجنوب تحت اسم اليمن الموحد !

أعاد الحكم الشمالي لليمن جنوبا وشمالا بعضا من مكانة القبيلة في الجنوب تارة باحتقار عدن وأهلها ونعتهم بالصومال والهنود ما أجبر أبناء القبائل بالتفاخر بجذورهم القبلية .. حتى من هم ينتمون لعدن عادوا لجذورهم سواء الجنوبية أو الشمالية بحثا عن ملاذ آمن مدنية عدن التي سميت بمدينة التنوع العرقي والديني والطائفي ..إلخ !

مرت السنوات وتكالبت الظروف ولعبت الأطراف الإقليمية المختلفة أدوارا لعينة لتدمير المدمر سلفا في اليمن شماله والجنوب باستخدام أطراف محلية شمالية وجنوبية .

وانفجرت حرب جديدة عام 2015 بين الشمال والجنوب تحديدا ثم بين الشمال والشمال لاحقا ، وخرجت الأمور جميعها عن السيطرة وباتت اليمن دولا داخل دولة واحدة لا تجدها إلا في أحرف اسمها لا أكثر .

وهنا وبعد ثلاث سنوات ونيف من الحرب والتحرير لمناكق عدة تجلت مرة أخرى عودة القبيلة للمنصة فتدخلت بدعم محلي وإقليمي وبإشراف مباشر من رئيس الجمهورية والتحالف العربي في بناء كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية على نحو قبلي وبما يتوافق و مكامة تلك القبيلة وقربها من فخامته أو جلالتهم !

ومن هنا ظهرت المناطقية مرة أخرى نتاجا لعودة القبيلة وتصدرها للمشهد سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا كما حدث عام 1986م التي كانت الكثير من أسبابها تعود للقبيلة ودور أبناءها في البناء المؤسسي للدولة على مختلف الصعد ، وما نتج عنها من أمراض مناطقية ذات أحقاد لا تكاد تدفن حتى تعود لتحيى من جديد فتحصد الأرواح وتنشر ثقافة الموت والدماء من ناحية والتنابز والتقزيم للآخر وقبيلته ومنطقته والمفاخرة بالقبيلة كل على الآخر !

القبيلة لا تساوي المدنية نتاجا لأي معادلة رياضية منطقية يقبلها أي عقل أو منطق .

القبيلة رغم بعض ميزاتها مثل الكرم ونصرة المستجير والحفاظ على موروث تاريخي عريق كتاريخ اليمن ، إلا إنها دائما ما تترافق معها أمراض ومعضلات تؤخر بناء الدول ومنها الجهل بدلا من التطور العلمي ، والاحتكام للأعراف والعادات والتقاليد على حساب القوانين ، والفكر الضيق المنتهي بدماء بدلا من الفكر الواسع والقبول بالآخر !

الوطن أولا وآخرا هو المعطى الوحيد الذي ينتهي بنتيجة لا تقبل القسمة على اثنين وهي الدولة .. وبدون تقديم الوطن على القبيلة واعتبار الوطن هو القبيلة الأولى والانتماء الأوحد والملاذ الدائم ( مع حفظ الأنساب والأسماء ما إلى ذلك ) لا يمكن أن تبنى تلك الدولة .. ذلك الحلم الذي حمله الشهداء والجرحى بين جنباتهم ليروا مستقبلا ذا بناء وتنمية واستقرار على كل الصعد .. وطن كبير يتسع للكل دون استثناء وينهي الأعراف ويستبدلها بالقوانين لتكون دولة منتظمة يسودها العدل والمساواة بين الجميع بعيدا عن اللون والدين والجذور العرقية للمواطن !

معضلتنا الحقيقية هي القبيلة فهي صانعة المناطقية وفتيلها المدمر .

ترى هل يقتنع مثقفونا ونخبنا قبل عوامنا بهكذا أفكار أم كالعادة هم أول من يدافع عن القبيلة ويبررون لها كل خطأ ترتكبه ويستميتون بالدفعع عن بقاءها حقا شرعيا لا يمكن التخلي عنه ؟!!!!!!

#أزمة_وعي


#أسامة_عدنان

مقالات الكاتب

العلم و الدماء !

رفع علم اليمن في قلب عدن جريمة بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب الجنوبي لاستعادة الدولة الجنوبية وذل...

متى تنتفضين يا عدن ؟!

يشبه هذا الطفل عدن بكل تفاصيلها .. يشبه ابتسامتها التي تبرز أمام وجوه الجميع دون معرفة جنسهم أو ملته...