خطورة ضيق الأفق ومحدودية الفهم!

البعض لا تروق له أي آراء خارج إمكانيات فهمه، ويعتبر تلك الآراء والأفكار خروجاً عن النص الذي يحتويه بل ويعدها خروجاً عن ما يفترض أن تسير عليه الحياة بشكل عام.


وتتحفنا الحالة الجنوبية دائماً بالجديد في هذا المضمار. فالثورة الجنوبية التي ولدت في الساحات وجرها البعض الجنوبي الذي لا يستسيغ إلا مخرجات مطبخه وينكر على الآخر حق الابداع والاجتهاد من تلك الساحات، جرها إلى مكاتب الاستخبارات، ثم لم يكتفِ بذلك وذهب بها إلى مكاتب الوظيفة مع من يرى فيه محتلاً للأرض وماساً بالعرض ومختطفاً للثروات. ويواصل هذا البعض هواية جرجرة القضية حتى يدخلها دهاليز انحطاط اخلاق الشخوص، ويجعلها متهما يدفع ثمن انحطاط اخلاق هؤلاء!!


حذرنا كثيراً من خطورة حشر القضية الجنوبية في دهاليز مظلمة تحدد مساحاتها عقول لا تفقه إلا ما وجدت عليه أباءها سياسياً، وطالبنا بضرورة تحطيم القيود التي تجعل من هذه القضية أداة لتحقيق رغبات شخصية ومناطقية وفئوية!


اليوم عندما ينظر المتابع إلى ما آلت إليه الظروف والنتائج يجد أن القضية الجنوبية التي حلق بها «الحراك الجنوبي» عالياً حتى أوصلها المحافل الدولية وفرض عدالتها، نجدها قد انحدرت حتى عادت إلى مدرج صعودها وهي خائرة القوى ممزقة الأوصال نتيجة لمخرجات ثورة ما بعد حرب 2015. تلك الثورة التي تحددت أهدافها خارج حدود الجنوب وتربى قادتها على السمع والطاعة لمن يدفع أكثر ومن يضمن بقاء عرّابي المشاريع المناطقية والشخصية والفئوية ورعايتها في واجهة تلك الثورة.


اليوم العالم أجمع يمضي باتجاه فرض واقع على الأرض تمخضت عنه لقاءات ستوكهولم وأيدته القرارات الدولية الأخيرة التي جاءت تلبية لرغبة دولية تتعلق بحل أزمة اليمن، ورأينا تمسك العالم بالقرارات الدولية السابقة بما فيها القرار 2216 وحقائق أخرى تتطلب المزيد من الجهد لمواكبة تطوراتها وإيجاد موطئ قدم للقضية في مضمار مسيرتها.


ومع كل ذلك، نجد البعض الجنوبي في مواجهة كل تلك التطورات لم يستحدث جديداً في سلوكه العام بل إنه مازال يتفنن في تمزيق عُرى قِواه من خلال الانزواء جانباً والشذ عن الواقع، والتفرغ للتحليلات والقراءات التي تتلخص في نهايات لا تخدم القضية، ولكنها فقط تؤكد وفقاً للقائمين عليها فشل «الشرعية» التي يقبع على رأسها جنوبياً قدم للقضية أكثر مما قدمه بعض أولئك المحللين، وتبشّر بنصر لجماعات انقلابية لم تقدم للجنوب سوى المشاركة في الاجتياح الأول عام 1994 وتزعّم الاجتياح الثاني 2015والتحضير للاجتياح الثالث!


ومع أن تلك القراءات والتحليلات تقع كثيرا في محضورات العاطفة عند أصحابها ولا يعتد بها في سياق القراءة المحايدة للحدث، إلا انها تشكل عامل جر إلى الخلف للقضية برمتها وتثقل كاهل القضية وتجعل حركتها شبه مشلولة إذا ما تم مقارنتها بسرعة تلاحق الأحداث من حولها.


ومن وجهة نظري أرى أن الجنوبيين اليوم، وفي ظل ظروفهم الراهنة، ملزمين بإعمال العقل وإعادة رص الصفوف والابتعاد عن الميل باتجاه  الطرف الذي تسبب في مآسي اليمن عامة والجنوب بشكل خاص، والذي اجتاح أسوار الجنوب كطرف فاعل ومستقل في العام 2015 بعد أن اجتاحها كطرف شريك وتابع في العام 1994، وعليهم في أسوأ الأحوال  الحفاظ  على موقفا محايد تجاه التطورات والشروع في بناء أسس الاستقلال بالرأي والقرار إذا كانوا  قد فشلوا في التعاطي مع «الشرعية» التي يمتلكون نصفها حتى اللحظة وفقا للتواجد الجنوبي في إطار هذه «الشرعية».


لا شك أن الخلافات الذاتية الأسباب، التي تعصف بالصف الجنوبي اليوم، تفقد «القضية الجنوبية» الكثير من أوراقها وأسلحتها في مواجهة خصومها. كما أن التشدد السلبي لبعض أطراف تلك القضية واستسلامها لموروثات الصراع الجنوبي إبان الحقبة الماضية يفقدها الإنجازات التي تحققت لهذه القضية والمتمثلة بالعنصر الجنوبي الذي بات يهيمن على تلك «الشرعية» ويتواجد في أهم مفاصلها. كما انها تفقدهم الإنجازات التي تحققت في مؤتمر حوار صنعاء والتي أوصلت العالم والإقليم إلى القبول بإنجاز المناصفة ولجنة الثمانية التي تحققت على يد المناضل محمد علي أحمد ورفاقه، والتي ممكن البناء عليها ومواصلة الحوار حتى الوصول إلى الهدف الذي يمنح أبناء الجنوب حق الاستفتاء والتصويت لتقرير مصيرهم.

مقالات الكاتب