شكراً مصر أم الدنيا

المتابع لتحركات وخطوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستطيع أن يرى بوضوح رغبة القيادة المصرية في استعادة الدور المحوري لمصر في المنطقة، بعد التعافي من الجروح التي أصيبت بها، وهي رغبة قوية تأتي بإسناد عربي خليجي يعي أهمية عودة مصر للعب دورها المنوط بها تاريخياً، فمن المعروف أنه إذا عطست مصر أصيب العالم العربي بالزكام.

يقول المصريون إن "مصر أم الدنيا"، وهي مقولة صحيحة تعكس إدراك المصريين بأهمية دور وطنهم، فأفضال مصر قديمة، ودروها الحضاري قديم قدم التاريخ، بدءاً بالفراعنة، مروراً بالخلافات الإسلامية وانتهاءً بالعصر الحديث الذي مثلت فيه مصر مركز الإشعاع التنويري الأول في المنطقة العربية، ومنها انتقلت جميع العلوم والفنون إلى باقي الأقطار العربية، فكان العرب عيال على مصر لقرون طويلة، وعلى أيدي مصريين تعلم العرب ألف باء الأشياء، وعندما أقول الأشياء فأنا هنا أعمم ولا أخصص، فلا شيء لم يكن لمصر دور فيه بشكل مباشر أو غير مباشر.

ولأن أم الدنيا لا يمكن أن تنسى دورها، حتى في ظل الأوضاع الراهنة التي تتواصل فيها الطعنات الإرهابية الغادرة تستمر مصر باحتضان العرب من جميع الجنسيات وعلى رأسهم أولئك الذين طحنت الحروب بلدانهم، فلم يجدوا سوى مصر ملاذاً آمناً، وبيتا دافئاً، فقالت لهم مصر، ما قاله يوسف عليه السلام لأهله «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».

في مارس 2015 قررت مصر الوقوف إلى جانب الشرعية اليمنية والشعب اليمني في مواجهة التدخلات الإيرانية والحرب التي شنتها المليشيات الحوثية على الشعب اليمني، وشاركت مصر بفاعلية في تأسيس التحالف العربي وفي حرب التحرير التي تستمر حتى يومنا، هذا، وهي ليست المرة الاولى التي تتخذ فيها مصر موقفاً قومياً إلى جانب الشعب اليمني والشعوب العربية عموماً، فقد دفعت مصر بعشرات آلاف الجنود في ستينات القرن الماضي إلى شمال اليمن لمساندة الثورة اليمنية في مواجهة الإمامة التي مارست الظلم والتجهيل بشتى أصنافه، وهذا الموقف القومي كلف الجيش المصري آلاف الجنود الذين ضحوا بأرواحهم في تلك الحرب واختلطت دماؤهم بدماء اليمنيين الأحرار.

قال لي أحد الأصدقاء مازحاً إن عدد العرب المقيمين في مصر، وتحديداً من الجنسيات السورية، الليبية، واليمنية، يفوق عدد سكان بعض الدول العربية، وبالرغم من عدم وجود أرقام واضحة حول هذا الأمر إلا أنه أمر منطقي، فمصر تقريباً هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تفتح ذراعيها لاستقبال الفارين من الحروب في هذه الدولة، دون منّ ولا أذى، وهي لم تحتجزهم في مخيمات خاصة، ولم تسلبهم حرية الحركة، ولم تفرض عليهم قيوداً أمنية، ويستطيع هؤلاء أن يسكنوا ويعملوا في قلب الأحياء المصرية التي يسكنها المصريون، ويمكنهم أن يتحركوا كل مكان دون شروط، بل إن كثيرين من المقيمين العرب تملكوا منازلاً ومحلات ومتاجر كثيرة في أحياء وشوارع هامة مثل فيصل، أكتوبر، مدينة نصر، وغيرها.

الاحتضان المصري لهذه الجنسيات وغيرها امتد ليشمل البحث عن حلول جذرية لقضايا بلدانهم، ولم تكتف مصر بموقف المتفرج، تدخلت للبحث عن حل في سوريا، فلسطين، العراق، اليمن، السودان، ليبيا، وغيرها، لا يمكن لدولة أخرى أن يمتد دورها من شرق الوطن العربي إلى غربه، باستثناء مصر الكنانة، وهذه ميزة امتازت بها مصر دوناً عن أي دولة أخرى نتيجة الاعتبارات التاريخية، والجغرافية أيضاً، فموقع مصر الجغرافي جعلها تتوسط العالم العربي، وتقع منه موقع القلب من الجسد، والقلب هو المسؤول عن ضخ الدماء في باقي أعضاء الجسد، وهو العضلة الأكثر نبضاً وحركة، وإذا توقفت، توقف الجسد كلهل.

يدرك العرب جميعاً هذه الأهمية لموقع ودور مصر الحساس، ولهذا فإنه عندما أرادت قوى إقليمية ودولية إضعاف مصر على طريق إسقاطها، تداعى العرب لإنقاذ هذا البلد المهم، وإفشال خطط إسقاطه، وكانت أيادي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأبناء الشيخ زايد رحمه الله حاضرة في إسناد أبناء مصر للوقوف بحزم تجاه خطط نشر الفوضى، والرغبات الشيطانية التي تهدف لنزع مصر من محيطها وإدخالها في دهاليز الانفلات والضياع التي لا مخرج منها.

بخطوات مدروسة تسعى القيادة المصرية الحالية وفي مقدمتها الرئيس عبد الفتاح السيسي لاستئناف هذا الدور التاريخي والمهم لمصر في العالمين العربي والإسلام، وهي خطوات لا تنظر للخارج فقط، بل ترتكز على نقاط عملية داخلية كثيرة، لعل أهمها الحرب على الإرهاب، وتمكين مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية للمواطنين، وهو ما يمكن ملاحظته في المشاريع العملاقة التي تتم وتتواصل، ولن تتوقف بإذن الله.

 

عرفاناً منا لهذا الدور، كان من واجبنا إطلاق حملة شعبية لشكر مصر حكومةً وشعباً، ورد الجميل لهم تجاه مواقفهم المشرفة مع بلدنا.

 

وكان أول انطلاق للحملة في ٢٠١٥م برفع لوحة كبرى للرئيس السيسي في مدينة خورمكسر بعنوان شكراً مصر أم الدنيا.

* رئيس (الحقيقة)للإعلام