بعد غزة وبيروت وحلب... ماذا بعد
بعد حرب الإبادة والتهجير القسري في غزة لأربعة عشر شهرًا كاملة، والعدوان على لبنان في 17 أكتوبر، ثم ا...
كانت معركة محو الأمية التي خاضتها اليمن الديمقراطية في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين الماضي واحدة من أنجح التجارب ليس في الوطن العربي فحسب، بل على مستوى بلدان العالم الثالث تقريباً.
وسبب الحديث عن هذه التجربة الرائدة هو أنني استقبلت قبل أيام الاستاذ زيد محسن مدير مدير ادارة شؤون النازحين في جهاز محو الأمية وتعليم الكبار مع عدد من الأخوة من محافظات عدن ولحج وأبين وغيرها في مقر إقامتي في القاهرة.
وقد تطرق حديثنا خلال تلك الأمسية إلى تجربة اليمن الديمقراطية في التعليم بما في ذلك الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية على مستوى الجمهورية بمحافظاتها الست والجزر التابعة لها سنة 1984م حيث اشترك في تلك المعركة ذات الهدف النبيل قرابة الخمسين ألف مدرس..
استهدفت الحملة التي دشناها من شبام بحضور المدير العام لليونسكو أحمد مختار امبو، القضاء على داء الأمية التي هي أحد أسباب تخلّف الدول والشعوب وتدني مستويات التنمية، ورسمنا خطة وطنية لبلوغ ذلك الهدف العظيم، واستهدفت الحملة الفئات العمرية من (10 إلى 45 سنة).
وقد بلغنا ذلك الهدف بحيث أُعلنت اليمن الديمقراطية أنها الافضل بالتعليم في المنطقة بشهادة اليونسكو في عام 1985 ووصلت نسبة الأمية الى ما دون 2.5 في المئة..
والحقيقة أن معركتنا ضد الأمية كانت جزءً من استراتيجيتنا الوطنية للتعليم، حيث أولينا التربية والتعليم اهتماماً خاصاً منذ بداية الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، فشهدت السنوات الأولى واللاحقة انخراطاً واسعاً من البنين والبنات في المدارس التي انشأتها الدولة بالرغم من إمكانياتها المادية المحدودة على مستوى المدن والأرياف البعيدة، وشهدت سنوات السبعينيات ومنتصف الثمانينيات تخريج مئات الآلاف من الطلاب في مختلف المراحل بما في ذلك من كليات جامعة عدن التي أنشأناها في 10 سبتمبر من عام 1970م، ومن جامعات الدول الشقيقة والصديقة التي أرسلنا إليها آلاف خريجي الثانوية العامة الذين عادوا أطباء ومهندسين واقتصاديين وغيرها من التخصصات، والذين التحقوا بسوق العمل في الوزارات والمؤسسات والمصانع والدوائر الحكومية بحيث لم تكن هناك بطالة في اليمن الديمقراطية في منتصف الثمانينيات إلى درجة اننا اضطررنا الى استيراد عمالة اجنبية في بعض المهن.
تستحق تجربة اليمن الديمقراطية في محو الأمية أن تُدرس ويُستفاد منها للأجيال القادمة حتى لا نشهد عملية ارتداد نحو الأمية خاصة في ظل ظروف الحروب والازمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها اليمن في الوقت الراهن، وهي بيئة لتكاثر الفقر والجهل والجوع، الثلاثي المدمر لأي نهضة والكابح الأكبر لأي تنمية..
شكراً للأخ زيد محسن لأنه ذكرني بتجربتنا العظيمة في محو الأمية التي كان جزءً منها، ولولا حماس الناس وجهودهم الكبيرة وإيمانهم بنبل المهمة لما كُتب لها النجاح على ذلك النحو المدهش..
تحية لرواد الحملة الشاملة لمحو الأمية من التربويين والمعلمين والمتطوعين والاعلاميين من الجنسين، وتحية لمئات الآلاف الذين تحرروا من الأمية إلى الأبد وانضموا إلى عالم القراءة والكتابة ونور المعرفة بفضل تلك الحملة الوطنية لمحو الأمية.