بعد غزة وبيروت وحلب... ماذا بعد
بعد حرب الإبادة والتهجير القسري في غزة لأربعة عشر شهرًا كاملة، والعدوان على لبنان في 17 أكتوبر، ثم ا...
رسالة اليوم مختلفة عن سابقاتها لأنها تخص أغلى كائن في الوجود - الأم- الذي حُدد لها عيد سنوي لتكريمها دون غيرها رغم أننا مجتمع ذكوري تعاني فيه المراة أُمّاً أو عزباء الكثير من القمع والتمييز والاستعلاء بسبب استمرار التخلف وأنظمته السياسة وألسنته "الدينية". لاشك أن ثقافة التمييز ضد المرأة بدأت في التواري مع انتشار التعليم وثقافة وقيم المساواة وإصرار المرأة بنجاحاتها في مختلف المجالات أن يكون لها دور ينهي تهميشها وتجاهلها المتعمد وغير والمتعمد بسبب الجهل والتخلف. التضحية الأسرية ديدن الأم والصبر في الشدائد سلوكها الذي لا يتغير ولايتبدل. وأمهاتنا وهن أميات، هن صاحبات الفضل الأول علينا إذ ربّين أجيالاً قاومت المستعمر والمحتل والطغاة. وفي غزة لا يمكن إنكار دور المرأة الفلسطينية في صمود المقاومة واستمرار تماسكها وبقائها على قيد المقاومة وهي هنا الجندي المجهول فعلاً الذي يستغني طواعية عن الحديث عن دوره وعن تضحيته. إنها هنا القائد بلا منازع. لقد استشهدت في غزة أكثر من عشرة ألف امرأة ولا يزال تحت الانقاض مئات النساء من مختلف الأعمار واستشهد أيضاً رقم مقارب من فلذات الأكباد، الأطفال إناثاً وذكوراً وكل ذلك لم يفت في عضد الأم التي لم تشكُ خذلان الأهل في غزة بل خذلان وتخاذل الدول العربية والاسلامية من كانت تأمل دعمه ليس السياسي وحده بل كل ما يعين الأسرة الفلسطينية على الصمود ويُفشل رهان دولة الاحتلال وحلفائها على سياسة التجويع والعقاب الجماعي والقتل بدون تمييز حتى القضاء النهائي على المقاومة. بدون دور قيادي غير معلن للأم ما كان للمقاومة أن تصمد لقرابة 170 يوماً في حرب حقيقية غير متكافئة لا في التسليح ولا في الحلفاء ولا في توظيف وسائل الإعلام. هذه الحرب لم تتوقف يوماً واحداً وقد استخدمت دولة الاحتلال الاستئصالي- العنصري بعض أسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية والامريكية والبريطانية ومنها الأسلحة الذكية.
أما آن للدول العربية أن تكسر الحصار وتوقف الحرب على غزة والمدن الفلسطينية منذ مايقارب 170 يوماً.
الأمس الخميس كان 21 مارس عيد الأم ، عيد الوفاء، لمن تُفتح الأعين أول ما تفتح على وجهها عند الميلاد وقد تغمض غمضتها الأخيرة على وجهها وحنانها المتدفق بدون انقطاع ولا مبالغة بأن الأم نهر متدفق من العطاء الذي يبدأ بها ولاينضب. عيد الأم الذي تحتفي به كل أسرة بصاحبة هذا اليوم يترافق مع بداية فصل الربيع الذي تشُق الأزهار فيه طريقها إلى الضوء وتكحل عيوننا بالجمال وبالسعادة وبانقشاع الشتاء بما يصاحبه من معاناة لاتستثني الأم وخاصة في كبرها ومع ذلك يستمر عطاءها للأسرة وللوطن. في فلسطين لا يمكن فصل صمود مقاومتها عن دور المرأة عموماً في حفظ لُحمة الأسرة وقيادة المرأة لها في غياب الإبن أو الأب المقاوم. صحيح أنه بالتجربة لاتكافأ المرأة على عطائها وتضحياتها عندما تتحول الغنائم إلى مصالح وقت السلم وهذا قد حدث فعلاُ في فلسطين بعد كل انتفاضة وشكت منه النساء ولكن برغم ذلك فعطاء الأم الوطني لايتوقف لأنها لا تتوقع الجزاء لما أعطت وهي بطبعها قليلة الشكوى حتى عندما يَعُقّها أحد فلذات كبدها. إن مانتوقعه هو أن يُحدث صمود المرأة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية وفي القدس المحتلين تغييراً في الذهنية الذكورية الفلسطينية والعربية التي لا تزال تنظر إليها من علٍ. لقد استشهد حتى اللحظة قرابة 32000 فلسطيني من الجنسين عوضتهم المرأة بعدد مماثل تقريباً من الولادات غي نفس الفترة ولذلك فإذا كانت المرأة هي الجندي المجهول في المقاومة وفي الصمود فإنها قطعاً عدو معلن ومستهدف لدولة الاحتلال ومؤسستيه العسكرية والدينية.
كل الاحترام والامتنان للأم الفلسطينية في عيدها رغم دمويته ومآسيه هذا العام ونأمل أن تحتفل بعيدها القادم تحت راية الدولة الفلسطينية المستقلة.
جمعة مباركة