175 يوماً من الصمود البطولي

سندخل رفح، بهاتين الكلمتين يصف بنيامين نتنياهو عمليته البربرية العسكرية القادمة ضد مليون ونصف المليون مدني فلسطيني في مدينة رفح الذين هجّر معظمهم بالقوة من مدنهم ومخيماتهم بعد حرب الابادة والتجويع  المستمرة منذ 7 اكتوبر 2023 لدولة الاحتلال على كل قطاع غزة وكل سكانه إلى مدينة رفح المكتظة بالسكان كغيرها من مدن غزة. جيش نتنياهو سيدخل أي سيغزو بالأصح رفح عن سبق إصرار وكل العالم يعرف هذا لأنه  آمن من العقاب، طالما أن اسرائيل تجد حماية شاملة من امريكا ومن معظم دول اوروبا، ولا  تنفذ قرارات مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية في لاهاي  وغيرها منذ 1948 وحتى اليوم.
اسرائيل هي الاستثناء الوحيد في العالم من العقاب وبرغم كل جرائمها اليوم وبالأمس فلم تُفرض عليها أي عقوبة والقانون الدولي وقوانين الحرب لا تعنيها البتة وستقذف بنيرانها وهي آمنة ومطمئنة ضد شعب أعزل لاسند له إلا إرادته، التي لن تنكسر، وصموده الذي أذهل العدو قبل الصديق.
لقرابة ستة اشهر وهذه المقاومة الباسلة تقاوم واحداً من أقوى جيوش العالم دفاعاً عن الوطن والمقدسات مضافاً إليه متطوعين صهاينة من عدة دول غربية على رأسهم عددياً صهاينة من أمريكا ومرتزقة من عدة دول من بينها أوكرانيا وبريطانيا. كل ذلك لكي يقضي هتلر الألفية الثالثة (نتنياهو) وعصابته الدموية على ما يسميه "قوى الشر"، أي شعب فلسطين الذي لا تحتمل دولة الاحتلال بقاءه في وطنه تحت الشمس، كانت "قوى الشر" الفلسطينية المقاوِمة تسمّى من قبل دولة الاحتلال قبل حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 ب" قوى التخريب" واليوم يتماهى نتنياهو مع لغة جورج بوش الإبن الذي صور غزوه وعدوانه على العراق عام 2003 بأنه " لمحاربة قوى الشر".
إن قوى الشر مقصود بها كل الشعب الفلسطيني الذي  وصفه وزير الدفاع الصهيوني جالانت بالحيوانات. هكذا يسّوق نتنياهو لعدوانه  الاجرامي الذي تعارضه الأغلبية الساحقة من دول وشعوب العالم باستثناء الحليفين الامريكي والبريطاني، اللذان هم مثل اسرائيل ليس في سجلهما ما يبرهن على أنهما من قوى الخير وليس أدل على ذلك، ما فعلاه ويفعلانه بمنطقتنا العربية  في دعم قيام الكيان الصهيوني في فلسطين وحمايته وتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري منذ عام 1948 وحتى اليوم.
إن فلسطين والعراق وسورية ولبنان واليمن والصومال خير شاهد على الخير الامريكي-  البريطاني الوفير الذي حل بها وعقّد كل مشاكلها.
لقد عانت هذه الدول والشعوب من سياسة الدولتين الكثير ومعظم ما فعلتاه كان ولا يزال  لخدمة دولة الاحتلال ولإضعاف العرب عموماً والفلسطينيين على وجه التحديد. 
الجيش الاسرائيلي سيُصلي رفح بنيران غاراته الجوية وقواته البرية البربرية مدعوماً كما هي العادة بدعم أمريكي وبريطاني تعلنه الدولتان ولاتخفيه في ظل صمت عربي واسلامي ودولي.
دولة الاحتلال الصهيوني لا تزال تطبق مقولة المؤسس ثيودور هرتزل بأن فلسطين أرض بلا شعب، وهي تسعى منذ أكثر من مائة عام لإفراغ فلسطين من شعبها و ليس فقط ضد غزة بل ضد شعب الضفة المحتلة بما فيها القدس الشريف المحتل وكافة الاراضي الفلسطينية. هذه المقولة يؤمن بها غالبية سكان دولة الاحتلال، وقد رأينا قبل يومين أن إسرائيليين أعاقوا في معبر كرم أبو سالم  مرور شاحنات تحمل مساعدات إغاثية لشعب تحاربه دولتهم لستة أشهر تقريباً  وتطلق كل المنظمات الدولية على حربها هذه  حرب التجويع والإبادة الجماعية.
هؤلاء الصهاينة الذين حاولوا منع مرور الإغاثة في حدها الأدنى نسوا بسهولة وهم في مركز القوة اليوم وفي العصر الامريكي الذي يمكّنهم من الإفلات من العقاب، نسوا تجويع اليهود على أيدي النازية الألمانية الذين لا تزال صورهم وهم كما يقال "جلد على عظم" في متاحف
اسرائيل  ومناهجها الدراسية وفي الأفلام  السينمائية التي تذكر بالمحرقة "الهولوكوست". إن ذاكرة العالم ليست قصيرة والخيّرين وأنصار العدالة للفلسطينيين ومنهم يهود يُذكّرون نتنياهو وعصابته الدموية بأن التاريخ سيضعهم في نفس المقام الذي وضعت فيه النازية والفاشية. لقد قتل " الجيش الأكثر  أخلاقية في العالم" قرابة ثلاثة وثلاثين ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال حسب تقارير منظمات دولية ومنها الأمم المتحدة وجرح قرابة أربعة وسبعين ألفاً. هل هؤلاء الضحايا ومن بينهم الاطفال والنساء هم قوى الشر التي يحاربها الجيش "الأكثر أخلاقية"؟.. لا أحد  يتلاعب بالألفاظ مثل اسرائيل التي تهيمن على جل الإعلام العالمي وتخضع كل مؤسسات الإدارة الامريكية على وجه التحديد لما يخدم مصالح وسياسة دولة العدوان.
إن الشعب الفلسطيني يقاوم في زمن صعب ولكنه سينتصر اليوم أو غداً. ولن يسمح مهما كان الثمن بأن يُجتث من أرضه.
وإن غداً لناظره قريب.

المجد والخلود للشهداء الفلسطينيين
والشفاء العاجل للجرحى

جمعة مباركة
خواتم مباركة

مقالات الكاتب

لبنان تحت النيران

لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...