الذكرى الرابعة والخمسون للعيد الوطني المجيد في عمان
المستشار.احمد الدياني
تحتفل سلطنة عمان الشقيقة غدا الاثنين الثامن عشر من نوفمبر بالذكرى الرابعة والخمسين للعيد الوطني المج...
تتفق أو تختلف مع الرئيس السابق علي ناصر ، تكرهه أو تحبه ، وتتوافق مع رؤاه أو لا تتوافق ...
كل ذلك لا يقلل من قيمة الرجل ، ولا ينتقص من مكانته ، ولا يخدش في سمعته ،،
وأنا هنا لا أمتدحه ، ولا أمجَّده ، فأنا أقل من أن أكتب عن هامة وطنية ، وشخصية تجاوز تأثيرها حدود اليمن.
ولكن ...
هناك ما أستوقفني كثيراً من خلال تلك المقابلة الجريئة التي اكتسبت صدى شعبياً واسعاً .
ولعل أهم تلك الوقفات ..... هي الشجاعة التي تكلم بها الرجل عن مرحلة تاريخية من حياة اليمنيين عموماً ، والجنوب على وجه الخصوص .
فالرجل تحدث بملئ فيه عن تلك الحقبة الزمنية السوداء فقال :( كلنا أخطأنا ) .
كلنا نتحمل آوزار تلك المرحلة ، ليس هناك من هو برئ من تلك الأحداث الدامية التي حصلت منذ فجر الثورة وحتى هذه اللحظة .
والحقيقة أنني لأول مرة أسمع مسؤولاً يتحدث بهذه الصراحة ، وبهذه القوة ، وبهذا الوضوح وبهذه الشجاعة عن تاريخ ( أغبر ) هو جزء منه .
وهذا ما يُحسب للرئيس علي ناصر .
فالرجل أشاح اللثام عن حقائق يحاول الرفاق إخفائها ، والتنصل منها ، والتستر عليها ، رُغم معرفة الجميع بكل تفاصيلها .
والأهم من هذا كله أنَّه لم يكتف بإلقاء الكلام على عواهنه .....ولكنه شخَّص الداءَ ، ووصف الدواءَ ، وحدد العلل وأعطى الحل .
تجلى ذلك بوضوح من خلال نظرته للحل والخروج من عنق الزجاجة التي ولجنا فيها منذ حرب ( التحرير ، والقومية 1966م ) وحتى الساعة .
فنظرته للخروج من دوامة العنف هذه ... تكمن في اعتماد السلمية وسيلة لحل كافة الخلافات ، وإحياء مبدأ الحوار الشامل لكل أطياف اليمن ، ووضع أسساً وتصورات ومخارجاً تضمن صيانة حقوق الجميع .
في الحقيقه أنَّني _ومن خلال تلك المقابلة_ أشعر بمصداقية الرجل ، وحرصه على لم الشمل ، ورأب الصدع ، وتوحيد الكلمة ، وتقارب وجهات النظر ، ووضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات .
لقد بلغ السيد علي ناصر من العمر عتياً فهو في العقد التاسع من عمره ، وقال بصريح العبارة لا أطمع في شئ ..ولكن أحلم بأن يعم السلام ربوع الوطن .
فلماذا لا نقتنص هذه اللحظة التاريخية الفارقة من عمر اليمنيين ، ونهتبل هذه الدعوة الصادقة ونتداعى إلى كلمة سواء نصلح بها شأننا ، وننهي بها أحزاننا ، ونمحو بها مآسينا ، ونغفل بها ماضينا ، وننطلق بها لإصلاح مستقبل أجيالنا .
ربما لا يستسيغ البعض مثل هذا الكلام الذي صدر من قبل السيد علي ناصر .
حسناً حسناً ،،
فلنترك ناصر وشأنه ،،
هل لدى مثل هؤلاء الرافضين لتلك الدعوة أية تصورات ، ورؤى ، وأفكار من شأنها أن تخرجنا من هذه الدوامة ؟
فلتتبلور في أية صياغة والعقلاء سيتعاملون معها .
نحن لا نقدس الأشخاص ...ولكننا نقدر الأفكار .
أعتقد أنَّ الوقت قد حان لوأد الماضي المؤلم بكل علاته ، ولطي صفحة عفنة من تاريخ جنوبنا الحبيب بكل سلبياتها ، والولوج إلى مرحلة جديدة تحتوي الكل ، ونؤسس لمداميك دولة نظام وقانون تحفظ الحقوق ، وتصون الحريات ، ويتساوى فيها الجميع .
فمتى نعي أنَّ العداوة لا تنتهي بالعداوة ....وإنَّما تنتهي العداوة بالحب ،،
فالصراع...سيولد صراعاً .
والعنف ...سيولد عنفاً .
والانتقام ...سيولد انتقاماً أسوأ منه .
وهكذا سنظل دواليك في دوامة لا تنتهي .
والمخرج السليم للجميع أن يعتمدوا السلمية طريقاً أوحداً لحل الخلافات ، وإنهاء الصراعات .
ربما يظن البعض أنني فيلسوف واهم ، أو روائي متخيل ، أو شاعر ثرثار ، أو متقول موَّار ...
كلا وحاشا ...
فأنا لست هذا ولا ذاك .
لكنني يمني أصيل يعتصر قلبي ألماً لما آلت إليه أحوالنا ...
فأنا أكره الحرب ، وأعشق السلام
أبغض العداوة وأدعو إلى المحبة .
أرفض الصراعات وأتوق إلى التوافقات .
أحلم بأن ترفرف رايات السلام على أرجاء بلادي ، وأن نعيش بأمن وأمان ، وأن ننعم بالحرية ، والديمقراطية ، والعدالة ، والعيش الكريم.
لحوالي ستة عقود ( وأخص هنا الجنوبيين من كافة الأطراف )..... جربتم كافة أشكال العنف فيما بينكم ، واستعملتم كل وسائل الخسة والدناءة ، ودخلتم مستنقع الرذائل إلى شحمة أذنيكم ....
أسألوا أنفسكم :
ما هي النتيجة ؟
وهل استطاع طرف أن ينهي طرفاً ، أو أن يبيده ويتخلص منه ؟
بكل تأكيد لا .
فلماذا إذن نكرر نفس الخطأ .
بقول ألبرت أينشتاين : "الغباء (الجنون) هو أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة ثم تنتظر نتائج مختلفة" .
ونحن _ وبالذات في الجنوب _ نفعل نفس الخطأ مائة مرة ومرة ...ثم نريد نتائج مختلفة .
كل طرف يكرر نفس خطأ الطرف الآخر ، ثم ننتظر من الشعب أن يستكين ويصبر ، ويرضى ، ويحتسب ، ويطبل ، ويصفق ....فهذا هو عين الغباء .
المطلوب اليوم من قيادة الأطراف الجنوبية المتصارعة أن تترجل من أعلى الشجرة وتعيش في القاع مع الشعب لترى بعينها معاناة المواطنين ....لعل ذلك يذيب جليد كبريائها ، ويلين جفاء قلوبها ، ويحي موات ضمائرها ...فتشعر بحاجة الناس الماسة لإنهاء قاذورات الخلافات التي لوثت بيئة الشعب ، وأزكمت أنوفهم ، وحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق .
لقد اقتنعنا أنكم ( جميعا ) تكذبون علينا ، وأن شعاراتكم هي مجرد وسائل لتحقيق مصالحكم الخاصة ....
فرسالتنا لكم كلكم أجمعين _ أيها المتصارعون
لقد مللنا الحروب ، وكرهنا الصراعات.....
وتقنا إلى السلام ..
تقنا إلى السلام ..
تقنا إلى السلام .