الحرب الخفية

حيدرة محمد

لمناطق التي دارت وتدور عليها محاور بؤر الصراعات في المنطقة هي المواطن والمعاقل التاريخية الأبرز للمسلمين العرب السنة على مر التاريخ وعلى اكثر من نطاق جغرافي مترامي الجهات والأبعاد استهدفت وتستهدف التجمعات السكانية العربية السنية الأكبر في اكثر من بلد عربي.

 

الصور الجوية التي تظهر حجم الخراب والدمار الذي تعرضت له مدينتي حمص وحلب السوريتان وهما اكبر حاضرتين إسلاميتين للعرب السنة في الشرق الأوسط لم تتعرض له مدينة برلين الألمانية عاصمة النازية ومعقل النازيين عند سقوطها بيد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

 

الموصل العراقية والتي يقدر عدد سكانها بمليونين ونصف المليون نسمة من العرب المسلمين السنة هي الأخرى أبيدت عن بكرة ابيها على يد مليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية الممولة من ايران وبمساندة الغطاء الجوي للتحالف الدولي الذي تقوده امريكا ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

 

اليمن هي الأخرى تتعرض لهجمة طائفية تدار بعناية دقيقة وان كانت مختلفة عن ما حدث في سوريا والعراق نتيجة تدخل "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية والذي استطاع ان يحد من تمدد المليشيات الحوثية الزيدية في اجزاء واسعة من اليمن إلا ان حجم التدمير الذي طال مدن يمنية عديدة مثل عدن وتعز والحديدة وهي مدن سنية خالصة على يد المليشيات الحوثية يتسق تماما مع مظاهر الاستهداف الطائفي "الشيعي الغربي" للعرب السنة في المنطقة.

 

اغلب التنظيمات والجماعات المسلحة التي تصنف في الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية على أنها جماعات وتنظيمات ارهابية هي الجماعات والتنظيمات التي تنحدر الى الطائفة السنية وسياسة الأعلام الغربي لاتعرف غير العرب المسلمون السنة هم الارهابيون وهم الريدكاليون المتشددون المتطرفون الذين يشعلون الحرائق في الشرق الأوسط منذ انتهاء الحرب الباردة.

 

لا أحد يتحدث عن الأرهاب الذي تمارسه المليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن والتي ارتكبت الجرائم المروعة بحق مئات ألوف المسلمين من العرب السنة ولاتكاد تجد إشارة تشير لإجرام تلك المليشيات والغرب ومؤسساته الأممية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الأنسان المختلفة لاتولي اهمية لتلك الممارسات والأنتهاكات ولايعنيها كل ماحدث ويحدث.

 

الحشد الشعبي وكتائب عصائب الحق الشيعية في العراق ارتكبت في المناطق العربية السنية جرائم حرب ترقئ لجرائم حروب الإبادة العرقية والتصفيات والإعدامات الجماعية الممنهجة والتي أقدمت على ارتكابها في الأنبار ومناطق تكريت وبعقوبة وصلاح الدين واخيرا في الموصل وهي جرائم غلب حيالها الصمت الدولي المطبق ولا أحد يتحدث عنها.

 

حزب الله اللبناني الشيعي دفع بكل قواته وعتاده وسلاحه ومقاتليه الى سوريا لدرجة ان الإسرائيليين ظنوا انه لم يعد أحد موجود من مقاتلي الحزب على خط تماس الجبهة في جنوب لبنان وكذلك مليشيات فاطميون العراقية وزينبيون الافغانية قاتلوا جميعهم دفاعا عن النظام السوري في سوريا وقتلوا اكثر من مليون سوري وخلفوا ورائهم اكثر من ثلاثة مليون جريح ومعاق وجعلوا اكثر من تسعة مليون مواطن سوري عربي سني لاجئين ويتوزعون على اكثر من اربعين دوله في العالم.

 

المليشيات الحوثية في اليمن اقدمت هي الأخرى على ارتكاب جرائم مشابهة لجرائم المليشيات الشيعية في العراق وسوريا وحالات القتل بالقنص المباشر في منطقتي الرأس والصدر لوحدها عند اجتياح مدن يمنية سنية في عدن وتعز والتي تعرض لها المدنيين العزل من السلاح تراوح مابين2000 الى3000 قتيل قضوا برصاص قناصة عناصر  المليشيات الحوثية اضافة الى استهداف العبارات والزوارق والسفن الصغيرة التي كانت تقل المدنيين الفارين من المدينة بسبب اشتداد  قصف المليشيات للأحياء السكنية المكتظة بالسكان وقتها والتي كان ضحية غرق أحدى تلك السفن بفعل استهدافها من قبل الحوثيين بقذيفة هاون ما يزيد عن مائة قتيل دفعة واحدة.

 

اللاجئون والنازحون والمشردون في كل دول العالم من العراقيين والسوريين واليمنيين وجنسيات عربية أخرى هم المسلمون العرب السنة والحواضر والمدن والمناطق والبلدات المدمرة على امتداد رقعة النزاعات والحروب في المنطقة هي آراض عربية سنية سويت بالارض واضحت أثرا بعد عين..

 

لايمكن لأي عربي سني ان يصدق ان كل ماحدث كان حربا على الارهاب.. المسلمون العرب السنة اكثر من تضرروا من تنظيم داعش في العراق وسوريا ولم تكن مدنهم ومناطقهم السنية حواضن حقيقية لداعش وكانوا اول من عانوا من ارهابهم واجرامهم وبل ان شيوخ ورجال قبائل شمر العراقية السنية اول من هبوا وقاوموا وقاتلوا تنظيم داعش في العراق في سبتمبر آيلول2013م أي بعد شهرين فقط على ظهور داعش ووقتها طالبوا الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي الشيعية ان تقاتل معهم ولكنهم رفضوا ان يقاتلوا ولم يحركوا ساكنا وظل الشمريون السنة يقاتلون بضراوة ويقتلون على يد داعش طيلة شهر كامل الى ان قضى تنظيم داعش على مقاومة العرب السنة من قبائل شمر.

 

وكذلك الحال في سوريا العرب المسلمون السنة هم المكون الرئيس للمعارضة السورية المسلحة وهم اول من قاتل تنظيم داعش في الرقة ويومها كانت طائرات النظام السوري والروسي تتحاشى ضرب تجمعات مقاتلي داعش وتوجه حمم نيرانها صوب مقاتلي المعارضة السنية والذين لم يتوافقوا يوما مع داعش وبل ان الجماعات المسلحة السنية ذات الإيدلوجيا الجهادية كجبهة النصرة قاتلت داعش وبشراسة منقطعة النضير داخل مناطق عدة في سوريا ولم تتوافق معها يوما.

 

اليوم وبعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا يتم نقل مقاتلي التنظيم من "الأجانب" عبر الطائرات الخاصة لأوطانهم في الغرب ولم يتبقى من مجموع مقاتليه العرب والذين يقدرون بستين ألف مقاتل لم يتبقى منهم إلا المئات واغلبيتهم قتلوا والمناطق التي كانوا يسيطرون عليها تسيطر عليها مليشيات قوات سوريا الديمقراطية الكردية المدعومة امريكيا والخاسر الاكبر من الحرب المزعومة على الارهاب هم الملايين من الشعوب العربية السنية بعد ان قتلوا ونكل بهم وهدمت منازلهم على رؤوسهم وهجروا وشردوا من ديارهم في كل اسقاع المعمورة.

 

الحرب الخفية في المنطقة جعلت العراقي الموصلي السني محاصرا  ولايستطيع الدخول الى بغداد بدون تأشيرة دخول بسبب صلف وغطرسة مليشيات الحشد الشعبي وجعلت من السوري الحلبي السني مطاردا ويضطر لتزوير هويته الشخصية مكرها من اجل ان يعبر الحدود بسلام وينفذ بجلدة من بطش المليشيات الإيرانية في سوريا وجعلت من اليمني الصنعاني السني متحوثا جاروديا إسماعيليا خشية القتل على يد جماعة الحوثي التي تحكم السيطرة على شمالي البلاد.

 

ماحدث في العراق وسوريا واليمن لا يستوعبه عقل انسان محترم يحترم مبادئ الحق في الحياة والقيم الإنسانية على وجه الأرض ومن ذا الذي يستوعب ويقبل ويصدق ان "أقليات شيعية" على شكل مليشيات عسكرية خارجة على النظام والقانون مدعومة من ايران دمرت بلاد الشام وبلاد ما وراء النهرين وارض سبأ في اقل من سبع سنوات وهي تدعي أنها تحارب الإرهاب وأنها تسعى الى تحرير فلسطين!

مقالات الكاتب