مكونات سياسية محشوة بأحزاب غير مرحب بها

انور الصوفي

بالأمس كنا نعيش عصر الأحزاب التي انتهت بانتهاء رموزها، واليوم نعيش عصر المكونات، هذه المكونات السياسية التي نبتت على أنقاض الأحزاب، ومن توالد الأزمات السياسية، ووجود دعم من هنا وهناك، فنشأت في أرضية الوطن المتشبع بالفوضى، فلقد تشظى المؤتمر، لأنه حزب الزعيم، فبانتهاء الزعيم انتهى حزبه، والاشتراكي انتهى بانتهاء مرجعيته وشعاراته، وحزب الشيخ كذلك توارى مع تواري شيخه، فبانتهاء الأحزاب، فكرت الشخصيات الحزبية في مكون يحويها لعل أحزابها تعود في يوم الأيام.

في بلاد الأحزاب المنتهية الصلاحية، ووطن المكونات الجديدة المحشوة بأيدلوجيات وأفكار مختلفة أصبح المواطن غير مدرك لما يدور حوله، وأصبح لا يفكر إلا بنهاية الشهر آملاً في استلام راتبه الذي لم يعد يأتي له بكسوة العيال، فالمتشاكسون في وطني بالجملة، ولا أحد داري من مع من، ولا عرفنا من ضد من؟ الوضع في بلادي أصبح معجون عجن، فالحوثي تارة يتمدد، وأخرى ينكمش، والحراك أصبح مكونات لا حصر لها، والأحزاب الوحدوية في الجنوب أصبحت تنادي بالانفصال، كشعار على اللسان، وقلوبها وحدوية، هي تنادي بالقضية الجنوبية لكسب التأييد، ولكنها لا تبالي لا بالقضية الجنوبية، فقضيتها الوحدة التي نبتت من جوفها ، ولأن التغذية تأتيها من الشمال، فكيف لها الفكاك؟

في وطني همٌ يضحك، وهمٌ يبكّي، الصغار يتحاورون، والكبار متخاصمون، وإذا قد الوجع في الرأس فمن أين ستأتي العافية؟ مسميات الأحزاب لم تنته، ولكنها ذابت في مكونات جديدة، فهل تحسون للأحزاب حساً، أو تسمعون لهم ركزاً؟

الأحزاب بمسمياتها موجودة، ولكنها متخفية وراء أستار المكونات الجديدة، ولو حانت لها الفرصة لنفضت يديها من هذا المكون أو ذاك، وفق المصالح المتاحة، وبالطبع كل حزب سيجري وراء أجنداته المربوطة بشخصيات معروفة، فما تقوقع الأحزاب هذه الأيام في هذه المكونات إلا لدرايتها أن اسمها أصبح غير مرغوب فيه، خاصة في هذا الوضع، فهذا الوضع هو وضع التحالفات، والائتلافات، والخنوس خلفها حتى حين.

نعم، أقولها وبكل صراحة الأحزاب السياسية في اليمن عموماً خانسة، ولكن خنوسها في الجنوب كان خلف مكونات جديدة، فالوجوه معروفة، والأجندة مفضوحة، هذه المكونات سوف تفشل، لأن من يعيش فيها، الكثير منهم تربطهم أحزاب، وهذه الأحزاب لا تنظر لنجاح هذه المكونات بقدر ما تنظر لمصلحتها الحزبية.

الوضع في الجنوب ينطبق عليه همٌ يضحك وهمٌ يبكي، فعندما تستمع للأحزاب الوحدوية وهي تدندن على وتر القضية الجنوبية تضحك، وعندما تسمع عن المليارات التي تنفق لقتل اليمنيين كافة هنا تبكي بكاءً مريراً على الوضع الذي أُهين فيه اليمنيون في شمال الوطن وجنوبه.

هذه الأيام اختلط الحابل بالنابل، ولا عاد نحن دارين رجل من في يد من، ولا قدرنا نميز المكونات السياسية من الأحزاب، فالمكونات بمثابة كرة تم تعبئتها بهذه الأحزاب، وربما تنفجر في أية لحظة، وهنا الخوف من الانفجار، فما بعد الانفجار إلا الدماء ستسيل، والأشلاء ستتناثر، فاللهم سلم، سلم.

مقالات الكاتب

ليلة القبض على راتبي

  عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص،  وص...