حرب بين الحروب
"لن نسمح بتهديد تفوقنا العسكري في المنطقة"، قال مسؤول عسكري إسرائيلي. يلتقي البلدان، إسرائيل وسوريا،...
التيارات أو الميول اليمينية هي واحدة من أبرز ملامح الحياة المعاصرة. في العام ٢٠٠٣ جلس الكاتب الشهير ديفيد بروكس يتذكر. قال إن مجلة أتلانتيك تنبأت في أربعينيات القرن الماضي بتلاشي الدين من المجال العام، إلى أن تفاجأ العلمانيون مثلي [يقول بروكس] بالثورة الإيرانية، ثم ثورة طالبان، ومن بعدها أحداث سبتمبر، وبالموازاة الصعود المتسارع للمسيحية الإنجيلية وغيرها من الظواهر اليمينية.
في المجتمعات الحديثة تلتحق تلك التيارات بالسياسة ويجري تقسيمها إلى:
١ ـ يمين الوسط، وهي غالبا ما تكون أحزاب يمينية ذات طابع ليبرالي Volkspartei كالمسيحي الحاكم في ألمانيا، والتوريز/ المحافظون في انجلترا. هذه الأحزاب غالباً ما تكون مدافعاً شرساً عن الديموقراطية بأبعادها الليبرالية، تحديدا: ليبرالية السوق، وتخوض صراعات مع أقصى اليمين.
٢ ـ اليمين، وهي أحزاب ديموقراطية منزوعة الليبرالية، هي أقرب إلى الراديكالية منها إلى الليبرالية. تشغل هذه الأحزاب المسائل القومية والأخلاقية أكثر من المسألة الليبرالية. تنادي، على سبيل المثال، بتأكيد الهوية المسيحية للقارة الأوروبية. مثال: لوبن في فرنسا، كورتس في النمسا، وبالطبع أردوغان في تركيا.
٣ ـ اليمين الراديكالي، وهي منظومات حزبية ضد ديموقراطية. لا تكتفي بتجريد الديموقراطية من بعدها الليبرالي وحسب [ذلك الذي يعنى بالحريات والحقوق والتنوع]، بل تذهب أبعد من ذلك: غالباً ما تقدم الـ Strongmen، أو الرجال الأقوياء، كبديل للديموقراطية وللمؤسسة. مثال: سالڤيني في إيطاليا، أوربان في هنغاريا. تصبح الليبرالية في نظر هذه المنظومات الحزبية خطراً قومياً [في الأيام الماضية حوكم أساتذة جامعة في إيطاليا بسبب آرائهم وفصلت معلمة بسبب مقولة، وألغيت مجموعات القراءة في المكتبات كي لا تشكل حقول رأي خارج عين الدولة .. في إيطاليا!]
يوزّع اليسار بطريقة مشابهة. فهو يمتد من الاشتراكي الديموقراطي، وهو حزب يساري ذو طبيعة ليبرالية يقع يسار الوسط، إلى اليسارالراديكالي، يمثله الـ Linke في ألمانيا، وهو حزب معادي للديموقراطية.
توصف كل الأحزاب التي تعنى بالحريات والحقوق والتنوع بالأحزاب الليبرالية، سواء وقعت على يمين أو يسار الوسط. تسمى تلك النسخة من الديموقراطية بـ الديموقراطية الليبرالية. يناقض هذا التصنيف ما بات يطلق عليه: الديموقراطية غير الليبرالية [أنظمة برلمانية منتخبة بطريقة نزيهة وسلطوية كاسحة. مثال: بولندا، هنغاريا، تركيا]
هناك حقلان آخران: الليبرالية غير الديموقراطية [وهي شأن تاريخي صرف، فقد وجدت ممالك غير ديموقراطية أتاحت أبعد مدى من الحريات].
والأوتوقراطية [مثال: الإمارات، السعودية، كوريا الشمالية، أريتيريا].
أراضي كثيرة في هذا العالم هي خليط من كل ذلك بنسب متفاوتة: شيء من الديموقراطية إلى شيء من الليبرالية مع بعض من الأتوقراطية، يطلق على بعضها "الديموقراطيات النائشة"، وعلى أخريات: الديموقراطيات الموجهة [روسيا مثالا]
وثمة مصطلح صكّه كاتب عراقي قبل أعوام: الدينوقراطية.
في الحالة اليمنية:
ينتمي حزب الإصلاح إلى يمين الوسط [حزب ديموقراطي ذو طبيعة ليبرالية، يعترف بالسوق والتنوع والتحالفات.. كما تقول تجربته الطويلة، ونظامه الأساسي]
يأتي حزب الرشاد السلفي إلى يمين حزب الإصلاح [حزب ديموقراطي غير ليبرالي]
وتأتي الجماعات السلفية والحوثية [أبو العباس وأبو جبريل] في أقصى اليمين، أو اليمين الراديكالي المعادي للتنوع والديموقراطية وحتى مشروع الدولة القومية.
أدعّي أن مثل هذا التفصيل، في هذا الوقت، غاية في الأهمية. إن خلط كل اليمين في سلة واحدة، كما لو كان شيئاً واحداً، يشبه بالضبط وضع ميركل، عن المسيحي الديموقراطي، مع سالڤيني، عن الليغا الراديكالي، في سلة واحدة. أوروبيا تبدو ميركل ـ ابنة القس، والمتدينة المسيحية الليبرالية ـ أحد أهم المدافعين عن الديموقراطية الليبرالية في العالم. أو: زعيمة العالم [الليبرالي]، كما تصفها التايم. إن حزب الإصلاح لا يشبه المسيحي الديموقراطي في ألمانيا، ذلك أن اليمن لا يشبه ألمانيا وأنتم لستم الألمان.
ليكن إذن أن حديثنا نسبي.
في نهاية المطاف:
البلد واقعة في ورطة تاريخية مرعبة، وبحاجة لنقاش سياسي عميق ومقاربات علمية ..
نهاركم سعيد.
م. غ.