العلم والقضية بين دماء الشهداء ومصالح الأشقاء
اللجنة المنظمة للمشاورات عرضت على الشيخ عباس صنيج أما إنزال علم الجنوب أو مغادرة القاعة.؟ فقال: (تحت...
المنطلق الأول للثورات واحد هو "حياة الناس".. وحياة الناس سلم من الأولويات؛ يبدأ بالحاجات اليومية، ثم التي تليها .. وأول الحاجات اليومية التي يفكر بها المواطن هي ضمان حياة أولاده؛ بتوفير القوت لهم، والعلاج في حالة المرض، والطريق التي يسيرون فيها، ثم يفكر بمستقبلهم بتوفير التعليم الممتاز، واقتصاد البلاد لضمان فرص العمل له ولأولاده، ثم مواقف بلاده الخارجية فيما يخص القضايا العربية والإسلامية..
وكل الثورات أهدافها واحدة على مر العصور، تجمعها كلمات (حرية، عدالة، مساواة، تنمية، استقلال القرار الوطني) بمافي ذلك ثورات الرسالات السماوية، والأنبياء والصالحين، وكذلك الفلاسفة الذين تحولت فلسفتهم إلى أديان على الأرض مثل بوذا وناتشه وغيرهما..
وبناءً عليه؛ فالفلسفة الثورية تقول؛ تنطلق الثورة عندما تقود القيادة البلاد إلى حياة متدنية، رديئة، تعرض حياة المواطن للموت جوعاً أوبالأوبئة والأمراض. . . وعندما تختل العدالة، وتختفي المساواة وتسود المحسوبية، وتظهر ممارسات الاستبداد والاستعباد . . . وكلما زاد الانحدار والتدهور في هذ المسببات كلما زاد غضب الشعب وأقترب من الإنفجار الثوري.
فهل لنا أن نسأل؛ هل حققت الثورة الجنوبية أهدافها..؟
الواقع أنها بانتصار 2015 حققت جزء من أهدافها، وتتمثل بالحرية من الاستعمار المباشر، لكن الكثير من مسببات الثورة مازالت قائمة، بل أكثر سوء من قبل الانتصار. . . والسبب الذي يمنع الشعب من الثورة ضد السلطة الحالية أن عدد كبير من القيادات المتسببة بالفساد محسوبين على الثورة الجنوبية.. والناس تلتمس لهم الأعذار؛ فلايخفى على أحد أن السلطة المشرعنة تعمل بكل جهد لإفشالهم منذ تحرير 2015 عن طريق إغراق الجنوب في الفوضى والحاجة والفساد والعشوائية، والصاق الوضع المزري بقوى التحرير والاستقلال؛ حتى يصل المواطن الجنوبي إلى لحظة يأس؛ ويقتنع أن الحرية هي التي جلبت له الموت بالمجاعة والأوبئة، والموت برصاص بلطجية الشوارع، والموت بالعربات العسكرية "الطقوم" التي تقتل الناس بسبب السرعة الرهيبة لمواكب القيادات، ومنها يقتنع المواطن أيضاً أن الحرية ستجلب مستقبل مظلم ومدمر لأولاده؛ وهذا يؤدي بالنتيجة إلى دفع الشعب الجنوبي إلى لعن التحرير والاستقلال، وهزيمة القضية الجنوبية وإسقاطها داخلياً، في الوقت الذي حققت نجاح كبير خارجياً" ثم ينتقل الشعب إلى تمجيد الماضي الاستعماري؛ فمن الناس من سيقول (سلام الله على عفاش) ومنهم من سيقول (سلام الله على الإصلاح) (سلام الله على الحوثي) ..!!
فهل يستسلم الجنوب على أساس أن الوضع السيء اليوم مستحيل العلاج، كمايروج البعض (ماذا بيد فلان أن يفعل) (الفشل والفساد والفوضى تجاوزت إمكانياتنا وقدراتنا) (البلاد تحت الفصل السابع وليس بيدنا فعل شيء)..؟
من يستسلم ويقول هذا الكلام ليس ثائر حقيقي، أوجاهل في حياة الشعوب ولم يقرأ التاريخ، أوعاجز عن اكتشاف قدرات شعبه؛ فالشعوب عندما تتحرك وتعمل تتجاوز كل المعوقات والكوارث والدمار؛ على سبيل المثال لاالحصر؛ سنغافورة، الأردن، رواندا، وغيرها لاتملك أي موارد ولامقومات جغرافية وديمغرافية يمكن مقارنتها ببلادنا؛ ولا أبالغ إذا قلت أنها تعادل 9:1 مقارنة ببلادنا. . . ولكنها استثمرت بالإنسان؛ واستطاعت بالإنسان تجاوز كل الموانع والصعوبات، وتمكنت من خلق موارد، ومصادر دخل، ونمو اقتصادي، وصناعة حياة جيدة، ومستقبل جيد للأجيال القادمة.
وبلادنا تملك الإمكانيات البشرية من رجال الأعمال، وكفاءات علمية، وعمالة حرفية ماهرة، وعمالة عادية. . . وتمتلك كذلك الموارد الطبيعية من المعادن والنفط، والمياة، والسواحل والمصايد البحرية، والمناطق السياحية "صيفاً وشتاءً" . . . وبهذه القدرات يستطيع شعبنا الانتقال خلال فترة بين 5-10 سنوات إلى مصافي الدول الناجحة إذا توفرت الإرادة، والإخلاص، وحب الوطن، والقيادة الكفوءة التي تدير البلاد. . . فإذا استمر الوضع الحالي أكثر فالبلاد تسير من حرب إلى حرب، و من ثورة إلى ثورة، فمسببات الثورة اليوم أكثر من عهد عفاش.
والله أعلم