ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
شكراً دكتور معين فلقد تحصلت أخيراً، وبعد معاناة استمرت لأشهر، تحصلت على جواز السفر، لونه أزرق داكن، ومش مهم عندي اللون المهم يكون جواز حتى أسود، ومش مهم يكوم أحمر، فالأحمر حق الهاي هاي، المهم تحصلت عليه بعد رحلة شاقة شارك فيها الكثير من الأقارب، والأصدقاء، والمعاريف، فلم أصدق نفسي أنني نجحت في استخراج الجواز، فذوبته من التقبيل في عرضه وفي طوله، قبلته وأنا أردد: أغنية المبدع العزاني عندما ترنم بقبلات طبعها على منديل حبيبته، بقوله: أنت أنت أهديتني منديل، مع كلمات معسولة وذوبته من التقبيل في عرضه، وفي طوله، ومن شدة فرحتي بالجواز قبلته كما قبل العزاني منديله، وخشيت أن يذوب من التقبيل كما ذاب منديل العزاني.
ولكن وأنا أتقمص دور العزاني في التقبيل لفت نظري المساكين الذين كانوا يجلسون للحصول على جوازات، ولكنهم ما حصلوا جوازات، فهذا عنده مريض وما قدر يتحصل على جواز ليعالج مريضه في الخارج، وذاك يريد الحج وما أعطوه الجواز، وهذا عنده سفرية مهمة، كلهم كانوا ينظرون إليَّ وأنا أتسلم جوازي، وكأنني تحصلت على قرار تعييني في منصب رئيس وزراء، أو مبعوث الأمم المتحدة لليمن، راعيت شعورهم، ووضعت جوازي في جيبي، وغادرت الجوازات مكان البؤس، والحرمان، وبعد برهة من الزمن، بعد خروجي من بوابة الجوازات، انتفضت كالملدوغ دي صابه حنش، فتشت جيبي لأنظر في الجواز، لعله ليس لي، ولعلهم غلطوا وأعطوني جواز غيري، تفحصته، وإذا هو جوازي، اسمي، واسم أبي، وجدي، واللقب، فضميته، وأعدت تقبيله فذوبته من التقبيل في عرضه، وفي طوله.
في اليوم الثاني تلمست جيبي لأتفقد الجواز، ولكنني لم أجده فطار عقلي، وكدت أجن ضاع الجواز، ولكنني تذكرت أنني قد أخذته من الجيب، لا يروح بالك بعيد يا دكتور، الجيب، أعني به البانة، فبعد أن أخذته من الجيب الذي اتفقنا أنها البانة، وضعته في مكان آمن، وكلما مررت به أخذته ونظرت إليه بإعجاب، وأعدت تقبيله، وذوبته من التقبيل في عرضه وفي طوله، ولكن عندما تعود لمخيلتي صور الذين ينتظرون الحصول على جواز تضيع فرحتي بين أحزانهم، تضيع فرحتي، وأحزن كثيراً حتى تضيع فرحتي في حصولي على الجواز.
اتقوا الله يا حكومة: المواطن يبحث عن هوية عن جواز، وما حصل، نصف الشعب اليوم بدون هوية، وبدون ما يثبت اسمه، وإن كان معه ما يثبت ففترته قد انتهت.
جاء أحدهم يستلم راتبه من إحدى الوكالات، فأبرز جوازه، وردوه عليه، فقالوا له: الجواز منتهي، قال لهم: ما فيش جوازات، قالوا له: مش مشكلتنا، وقالوا له: اتصرف، فهل ستتصرف أنت يا دكتور وتوفر جوازات لشعبك، الشعب يريد جوازات، الشعب يريد جوازات، أما جوازي فقد ذوبته من التقبيل في عرضه، وفي طوله.