رحلة في التراث حكايات من الوضيع مع الجدة
رمزي الفضلي
في أعماق مدينة الوضيع حيث تتجذر العادات والتقاليد و تتراقص الذكريات وتنسج خيوط التراث كانت تعيش الجد...
الإبحار في مكامن التاريخ هة البحث عن الحقيقة التي لا تنتهي عند حد معين, والمتخصصون في هذا المجال سوى كانوا من حملة الشهادات أم لا, تقع على عاتقهم حمل هذه الأمانة وإيصالها للأجيال المتعاقبة وهكذا تستمر الحكاية ... وبدايتي في هذا المجال كانت في العام 1997م تحديداً, وأبح شغلي الشاغل الغوص في مكامن تاريخ وطني "عدن" ومنذ تلك اللحظة لم يغفل لي جفن ولم يرتاح لي بال ولازلت حتى يومنا هذا أقوم ما بوسعي في البحث والتنقيب في أسرار ومخابئ مدينتي.
قبل أقل من عام مضى وتحديداً في يوم الخميس الموافق 26 أكتوبر 2017م, بينما كان العمال يقومون برصف أحدى الشوارع الفرعية لحارة القاضي وبينما هم يقومون بأعمال الحفر تلك أكتشوا عن طريق الصدفة بأن هناك فتحة تحت الأرض بمقاس غرفة صغيرة, وأحتار العديد ممن قدموا من أماكن عدة لمشاهدتها, وقد تواصل معي العديد من الأصدقاء وبعض الإعلاميين لمعرفة سر هذا النفق, وصرحت لهم يومها بأن هذا النفق ليس سوى مخبئ أستخدمه أهالي عدن للإحتماء من قصف الطيران الإيطالي على عدن عام 1940م والتي عُرفت حينها بــ"حرب الطليان", وليس هذا المخبئ هو الوحيد الذي طُمست معالمه بل هناك العديد منها في مناطق عدة من عدن.
بعد هذا التصريح قامت الدنيا ولم تقعد وكأن ما صرحت به هو مخالف للقرآن والسنة, وهات يا تعليقات سخيفة كُتبت من أنصاف المتعلمين والهمس واللمز الذي كان يتعامل به ممن لايعرفون عن تاريخ هذه المدينة شئ ولكنه الحقد والحسد الذي تملكهم تجاهي وهذا ليس بغريب ولا يهمنا في شئ لأننا أدرك تماماً ما أقوم به ومثل هذه الأصوات لن تعيقنا عن هدفي الذي أنشد إليه وهو الإستمرار في عملي الذي أعتبره أمانة أخذتها على عاتقي وبمجهوذ ذاتي لا نطلب من ورائه جزاءً ولا شكورا.
ومنذ ذلك التاريخ ضللت في البحث والتنقيب عن تفاصيل هذه المخابئ من خلال وثائق تتبث عن ما ذكرته للصحافة وما كتبته في مواقع التواصل الإجتماعي حول هذا الموضوع لأقطع الشك باليقين ويكون ما قلته حقيقة دامغة لا لبس فيها, حتى وقعت يدي على بعض الوثائق التي تتبث صحة ما ذكرته وإليكم هذه التفاصيل:
في شهر أغسطس 1940م, وهو العام الذي قامت الطائرات الإيطالية بقصف مدينة عدن بعد إشتعال الحرب العالمية الثانية وسُميت حينها بحر الطليان أو أيام حرب الزماميط نسبة إلى التسمية العدنية, وحينها وجه والي عدن السيد (جي. هاثورن هول) نداء إلى أهالي عدن, وقال فيه: "بأن الحكومة بصدد بناء 200 مخبأ تسع لخمسين شخص تقي المواطنين من الغارات الجوية, وكانت هذه مخابئ إضافية قامت الحكومة ببنائها لتُضاف إلى مخابئ بُنيت قبلها بأشهر وجيزة. وناشد والي عدن الأمة العدنية ورجال الأعمال والمقاولين بأن يساهموا بكل ما تجود به أيديهم ومخازنهم من مواد بناء وغيرها إلى جانب ما ستقدمه الحكومة للإنتهاء من العمل في ظرف شهرين لضمان سلامة المواطنين وأن تتجمع كل هذه المواد في مستودعات البلدية في كريتر, المعلا والشيخ عثمان, وكعادة العدنيين فقد قاموا بتلبية النداء سريعاً".
وبعد الإنتهاء من أعمال بناء المخابئ قام والي عدن السيد هول, بإلقاء خطاب حماسي عبر إذاعة صوت الجزيرة التي أُنشئت لإذاعة أخبار الحرب, وتقدم بالشكر والثناء لكل من ساهم من العدنيين في بناء هذه المخابئ وذكرهم بلأسم تقديراً منه لما قدموه في سبيل خدمة الشعب , وإدراكهم الشديد للخدمة الوطنية والسعي وراء المصلحة العامة, ولكنه في الوقت نفسه قام بتوجيه عتاب شديد اللهجة لبعض الأهالي من أعيان عدن الذين قاموا ببناء بعض المخابئ الخاصة لهم ولذويهم لعدم الإختلاط مع جيرانهم البسطاء بحجة الفوارق الإجتماعية, وقال في عتابه مستشهداً بالآية القرآنية التي تقول: "إن اكرمكم عند الله أتقاكم, وأنني أذكركم بأنني أستخدم مخبئاً يضمني مع بسطاء الناس من مستخدمي الوالي في صعيد واحد, لأن الناس جميعاً سواسية أمام الله, والناس سواسية أمام القنابل, فلا فرق بين غني وفقير, وامير وصعلوك, وان الحث على المساعدة في هذه الخدمة العامة ضروري, فأن الوقت قد حان للإحسان والحسنة بعشر أمثالها فهلموا إلى داعي الواجب الإنساني فأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وإليكم قائمة بأسماء المتبرعين الذين ساهموا في بناء هذه المخابئ:
الشيخ محمد عمر بازرعة
الحاج إسماعيل خذابخش خان
الشيخ محمد عبدالله الزليخي
السيد أم. بي. منيحيم
السيد خان بهادر محمد عبدالقادر مكاوي
مدرسة شوليم اليهودية للبنات
شركة إيه. بس وشركاه
محمد عمر بازرعة وشركاه
مدرسة الرومان كاثوليك
الشيخ حسين محسن اليافعي
الشيخ حسين علي الهمداني
الشيخ عبدالله غالب العصار
مديرة مدرسة البنات في الشيخ عثمان
السيد أتش. بريمجي
السيد إحسان الحق
الشركة العربية للتجارة
سلاح الطيران الملكي البريطاني
السيد عوض نسيم.
وغيرهم من أهالي عدن البسطاء...
الخلاصة:
=====
إضافة لما ذكرته لكم في مقدمتي سالفاً, بقى أن أُذكركم بهذا الإستنتاج بأن بعض المخابئ التي تم إكتشافها أبان حرب صيف 94م أو التي تم إكتشافها قبل عدة أشهر من الآن في أماكن عدة من مدينة عدن ماهي إلا مخابئ خاصة ومحدودة المساحة قام ببنائها بعض الأعيان من أهالي عدن لأسرهم كما ذكر ذلك والي عدن في خطابه, وصغر مساحة هذه المخابئ هو لأن هذه الأسر ربما كانت تتكون من ثلاثة إلى أربعة أفراد كما رأينا ذلك من خلال مساحة المخبأ.
كما لزم علينا تذكيركم وهذا من باب الصُدف بأننا في شهر أغسطس, الذي يصادف مرور ثمانين عاماً على تلك الحرب المدمرة التي عُرفت عند أهالي عدن بحرب الطليان, فهل يعود ذلك التكافل الإجتماعي الذي عرفت به الأمة العدنية بكافة مشاربها من تُجار ورجال أعمال وغيرهم للتخفيف من معاناة الناس والمساهمة في تقديم العون لبناء هذه المدينة لنعيد لها وجهها الحضاري التي عُرفت به على مر التاريخ...؟!