ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
فتشت اليمامة بين سطور الاتفاق عن أبيها، قلبت صفحاته لترى عنوان أبيها، لتذهب إليه، أو لعلها تقرأ تاريخ عودته لتنتظره، أو رقم جواله لتتصل عليه، فلم تجد له ذكراً بين سطور الاتفاق.، فبحثت عنه في الآفاق، بحثت عنه بين ركام الغيمات، بين نجوم في تلك الظلمات، فوجدته يعلو بعيداً في الآفاق، فحلمت بحضنه، وتمنت ضمته، وتمنت تقبيله، واللعب أمامه في كل المنعطفات، ولكن ضاعت أمانيها في الطرقات.
انهارت قواها، وبكت بحرقة، ولكنها ظلت تقلب تلك الأوراق، لعلها تعثر على تعزية لها بين سطور تلك الأوراق، فلم تعثر على شيء، فبكت، وكررت عبراتها، ولم تجد حتى ذكره كشهيد تفخر به بين كل تلك الأنات.
من يمسح دموعكِ يا قلب أبيكِ؟ من سيلاعبكِ؟ من سيأتي لكِ بحلاوة عيدكِ؟ من سيخرج معك أيام العيد؟
يمامة يا قلب أبيك، لقد ذهب أبوكِ غدراً، ولم يبحث أصحابه عمن قتله، فأبوكِ بطل، والأبطال لابد من التخلص منهم، فالجبناء يخشون حياة الأبطال.
وجاءها صوت أحمد من بعيد، أختاه لقد جعلوا شهداءنا محطة عبور لمناصبهم، وتحقيق رغباتهم، وإشباع نزواتهم، فأبي قد قتلوه، والقاتل مجهول، ولكنه مات، ومن أخذه هو الموت، وأبوك قتلوه، ولكن الموت هو من أخذه، والقاتل مسجل، مجهول. وهو في الحقيقة معلوم.
أختاه لا تبكي، فصورته مازالت معلقة، وستبليها الشمس، وسيمزقها مرور الوقت، وسينسوا حتى اسمه، وستختفي حتى صوره، فأبي، وأبوك، وأبوه، وأبوها، قد ماتوا، فلا تنسي أن تدعي لابيك بالرحمة.
صرخت يمامة أبي مازال حياً في قلبي، وقلوب الأحرار، وأبوك مازال كذلك، فلنهتف جميعاً يحيا الأحرار، لتبقى ذكرى الأبطال.