ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
هم يقرطون، ونحن علينا الذباب، ونحن بلا راتب أربعة أشهر، قالها جندي ضاق ذرعاً بعد توقف راتبه مع زملائه لمدة أربعة أشهر، قطعوا الراتب أربعة أشهر بالتمام، والكمال، وبعد كل هذا صرفوا راتب شهر، وعند صرف معاش شهر سالت لعاب الكثير من قادة الألوية، فقطعوا نصفه، حاربهم الله.
أربعة أشهر والعسكري بلا راتب، وعندما تكرمت الحكومة بصرف راتب شهر، خصم القادة نصفه، وتتفاوت الخصميات فبعضهم خصم نصفه، وبعضهم ثلثيه، وبعضهم شكره كله، وكأنه يصرف لجنوده من جيب أبيه، حرام والله حرام، فمن المسؤول عن هذا الجيش؟ من سيقف أمام الله ليسأله عن هذه الخصميات؟ القادة اليوم يتسابقون على الخصميات، ليبنوا قصورهم، وفللهم، وليعملوا عمليات تجميل لكروشهم، فالفنانات يتسابقن ليجملن أنوفهن، وقادتنا يتسابقون لينقصوا كروشهم في مستشفيات العالم المختلفة، ومن أين لهم حق العمليات الكبيرة؟ إنها خصميات رواتب العساكر، إنها رغيف خبز الفقراء، والمساكين، إنها أنين المحتاجين، وأصوات أمعاء الجوعى الفارغة، إنها ليالي البؤس التي يعيشها الفقراء.
قالها أحد العسكر، قالها، وبحسرة وألم، قال هم يقرطون، ونحن علينا الذباب، تخيلوا بالله عليكم أربعة أشهر والعسكري بلا راتب، من أين سيأكل؟ من أين سيشرب؟ من أين سيطبب؟ من أين سيأتي باحتياجات أسرته اليومية؟ إنها أم المآسي أن يعيش العسكري بلا راتب أربعة أشهر، وإنها أم البلطجة أن يخصم القادة نصف الراتب، بأي حق يخصمون؟ وبأي حق مازالوا يقودون الألوية؟
قادة الألوية تدلت كروشهم، فقصقصوها، وشدوها في مستشفيات خارجية، والعسكري يربط على أمعائه من شدة الجوع، فلا تظنوا كلامي مجرد رص عبارات، والله إنها الحقيقة، أسر لا تجد ما تأكله، وقادة يأكلون بالملايين، عساكر لا يجدون حق المواصلات، وينظرون لأبنائهم، وهم يموتون أمامهم، لا دقيق، ولا رز، ولا ملابس، ولا دفاتر، ولا حتى عشرين ريالاً مصروف اليوم، والله لقد سالت دمعة وأنا أكتب هذه الكلمات، تخيل نفسك ترى ابنك يرتدي ملابساً مهترئة، أو يتمنى لقمة ممهورة بفاصوليا، هم لا يطلبون سمكاً، ولا دجاجاً، ولا لحماً، هم يطلبون لقيمات تقمن أصلابهم.
أحدهم يخبرني، ويقول: والله ما دخلت الخضار بيتنا منذ ثلاثة أشهر، يا الله، أين الإنسانية؟ أين الأخوة؟ أين الدين؟ أين العدالة؟ فالعسكريون لا يطلبون منكم، ولكنهم يطالبون بمعاشاتهم، لا ليبنوا بها القصور، بل ليعتقوا أنفسهم من الجوع، أحد الأساتذة بأحد المدارس يقول لي: عندنا طلاب يغمى عليهم من شدة الجوع، وملابسهم ممزقة، وعندما أراهم لا أستطيع الشرح، فقد أتعبهم الجوع، وظهر على ملابسهم شدة العوز، فرحماك، رحماك يا الله.
أسر تفترش أبواب المساجد، وتجوب الجولات، بسبب الفقر، فحارب الله الفقر، فكم من أسر قد هتك سترها؟! وكم من شريف قد مد يده، بسبب الحاجة؟! ومن المتسبب في كل هذا؟ إنهم قادة الألوية الذين يخصمون معاشات جنودهم، وبلا خوف من حسيب، ولا رقيب.
أين عمر ليتفقد الجوعى؟ أين العادل ليضرب على أيدي لصوص الراتب؟ خذوها مني، لو لم نغضب لإخواننا من الجنود، لعمنا الله بعذاب من عنده، لو لم نضرب بحروف كلماتنا على أيدي اللصوص، لاستحلوا ما هم عليه، فلنقف كلنا وقفة رجل واحد في وجه اللصوص، وأخص مخصوص لصوص الراتب، لصوص رغيف الفقراء.
أخي الموظف أنت تستلم راتبك شهرياً، ومع هذا تجد ضيقاً في المعيشة، فما بالك بمن له أربعة أشهر وهو بلا راتب؟ تخيل ابنه وهو ينظر إلى ابنك وفي يده مصروف اليوم، تخيل ابنه وهو لم يجد حبة بيض طوال أربعة أشهر، تخيل ابنه وهو لم يذق طعم السمك، والدجاج، تخيل ابنه وهو ينام محموماً، وأبوه ينظر إليه ولا يستطيع شراء دواء الحرارة، تخيل ابنه ابنك، فكيف سيكون موقفك؟
نداء لفخامة الأخ الرئيس، نقول له فيه: اضرب بقوة على أيدي اللصوص، فنحن نعلم أنك تعمل كل ما بوسعك لينعم المواطن، ولكنهم اللصوص تكاثروا، كتكاثر الذباب على الجيفة، فلهذا غير من يسرق معاش الأفراد، وقدمه للمحاكمة العسكرية، ولن يتجرأ قائد على سرقة جنوده، وسترى الجنود يفدونكم بأرواحهم، نعم فخامة الأخ الرئيس، لقد جئتم في مرحلة المتناقضات، ولكنكم أثبتم جدارتكم، فاضرب على كل معوج ليستقيم الكل، دعواتنا لكم بالتوفيق.