ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
ما أجمل الأقلام حين تكتب بمداد صدقها، وعنفوان نقائها، وطهر حروفها، وجمال عباراتها، وتنميق خطوطها، فالأقلام الحرة لها سبيل مغاير عندما تقابل في طريقها الدخن، وتجد في سبيلها الغوغائيين والفاسدين والبلاطجة وأنصاف المتعلمين والمختبئين عندما حمي الوطيس الذين بلحظة من الزمن أصبحوا يديرون الخراب في وطن منهك متعب مكدود، عندما تجد هذه الأقلام الحرة ما يعكر سكينة الوطن تغضب وأيما غضب، والويل لمن غضب منه القلم، فالقلم الحر لايبالي بشيء إذا تم المساس بوطنه، وبكرامة شعبه، فتجده يقذف حممه باتجاه المخربين والمخذلين الذين يريدون ويطلبون فتات اليوم ولقمة داس عليها الأحرار، فإذا قذف القلم حمم غضبه لم تجد شيئاً يهدئه حتى يُسقِط من عاثوا في الأرض الفساد.
الأقلام الحرة لا تكتب لتسب وتشتم ولكنها تكتب لتقوّم إعوجاجاً، وتحفر في جدار اليأس سبيلاً للفقراء والمساكين ليسلكوه، ويتحرروا من عبث العابثين، الأقلام الحرة مدادها الطهر، وسبيلها الخير للجميع، وهي ليست كتلك الأقلام التي طريقها الإعوجاج، ولسان حالها: (( وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد ))، فالأقلام الحرة سلاحها قول الحق، وإن كان من خصمها، فترى تلك الأقلام الحرة تكتب عن الحق وتبحث عنه ولو كان من أشد الخصوم فجوراً .
ما أقبح القلم عندما يجانب الحقائق، ويسير خلف أسوار الكذب، وبين دهاليز الخداع واليأس، ويتقمص سربال الباطل، فيخدع الناس بحبرٍ جله الكذب، فهذا القلم مسكنه تلك الصحف الصفراء، وعشاقه المبطلون والدجالون، والمخربون، والفاسدون، فمنه يجب الحذر، وفي وجهه يجب أن تسد كل البيوت من الطين أو الحجر، فهو قلم سرعان ما يتحول، ففي سبيل مصلحته يدور ويتجول، فكلامه ترهات، ومداد كلماته فرقعات فقاعات كاذبة، فهو يثني على الباطل وأهله، ويسخر من الحق وأهله .
فطوبى لمن كان حائطاً لا ترتع فيه إلا الأقلام الشريفة الصادقة، والخيبة والخسران لمن كان مرتعاً لتلك الأقلام الهمل التي تنفش فيه، فتخرب الحمى، وتعيث فيه الفساد.
القلم قلمان صادق وكاذب، فأمسك بين الخمس والراحة بالقلم الصادق، وبقدمك اليمنى اركض القلم الكاذب الفاجر .