سبع كلمات حول طبيبي، العيادة الإلكترونية الأكبر ..

1. خلال العامين الماضيين سمعنا أكثر من عشرة ادعاءات منفصلة، كل ادعاء أخذ شكلاً كاريكاتورياً معيناً. يقول كل ادعاء أن طبيبي كانت فكرتهم. كيف يمكن لفكرة يوجد منها 100 ألف نسخة أن تكون مسروقة. وكيف يمكن للطبيب أن يدعي أن فكرته تعرضت للسرقة إذا كان لم يكن قد دخل التطبيق بالمرّة ليرى ما إذا كانت تشبه أحلامه. على أن الصفحات الطبيّة على فيس بوك يصعب حصرها، وهي رغم أهميتها لا تتوفر على أهم المسائل على الإطلاق: سرية معلومات المريض، وحفظ ملفاته.

2. علينا أن نتذكر شيئاً واحداً فقط: هناك عجلة تدور على مدار الساعة، يديرها أكثر من 500 طبيب، وتقدم خدمة لآلاف المرضى في عدد من الدول. ليس مطلوباً ممن يراها أن يصفق لها، ولا حتى أن يكف لسانه عنها. ليفعل المرء ما يحلو له وهو يرى الأشياء.
لكن:
ليس جيداً، وفقاً لمقاييس أخلاقية وقانونية عديدة، أن يدعي شخص ما، أي شخص، امتلاكه لمجهود هؤلاء الأطباء. سيّان أكان يقدم نصائح فنّية للمطورين، أو يتحدّث إعلامياً باسم المشروع. 

هذا المستشفى سيستمر كمستشفى، ولن يكون لعبة برمجية. عبقريته تكمن في طِبابته المجانية لا في حجارة الجدران ولا خشب السقف. أهميته رابضة في قدرته على منح المريض الأمان، لا في لون الواجهات. وهو من كل الناس لكل الناس، يديره مجلس طبي وستديره جمعية واسعة مستقبلا. لن يبيع بضائع ولا خدمات في المستقبل. ولن يغدق الشرف على أحد سوى على أولئك الأبطال المجهولين الذين لا يعلم أحد بدخولهم وخروجهم سوى ذوي الحاجة والمسألة.

الكتيبة الرائعة من الأطباء، وهم بالمئات، لم تأت لتحقق أحلام بعض الفتيان، ولا لتراكم مجهوداتها لصالح شخص بعينه، على أن يذهب هو ليحول تلك المجهودات إلى منفعة، أي منفعة. لا بد أن تكون هذه المسألة واضحة لأنها الحقيقة الأم، وهي مركز التعاقد الأخلاقي بيننا وبين كل الناس.

3. طبيبي هو عيادة إليكترونية تتوفر على 33تخصصاً طبياً، ويعمل فيها مئات الأطباء  من اليمن ودول عربية أخرى. تتحدث البيانات الأحدث عن 100 ألف تطبيق طبيّ متوفر على الأرصفة الإليكترونية. ما يجعل عيادة طبيبي متميّزة، داخل هذه البحيرة، هو شموليتها ومجانيتها. فهي تغطي أغلب فروع الطب، ولا تشترط من المستخدم أي مقابل. حتى إنها لا تضع إعلانات على واجهتها.

4. الثلاثاء القادم سنقدم أول دفعة أوراق لتسجيل "الجمعية" التي ستكون الأم لمشاريع أخرى، وسيكون "طبيبي" واحداً من أنشطتها. الجمعية ستكون متعددة الملامح من الخيري إلى الأكاديمي، وسيبلغ المؤسسون قرابة ال25، ولا سقف للعضوية فيها. مقرها ألمانيا، وأعضاؤها في دول عديدة.

5. يقول الألمان: الأكتاف العشرة تحمل ما لا يحمله الكتفان. وفي الأشهر الماضية نجحنا في بناء الهيكل الوظيفي داخل العيادة، وتوزعنا على شكل teams and units  أو فرق ووحدات، وزعت الصلاحيات والمسؤوليات، وخرجنا من الفرد إلى الفريق. وللمهتمين بمعرفة ما الذي فعلناه إليكم هذه المعلومات السريعة:

- قمنا بتأسيس المجلس الطبي من 15 طبيباً، وهو أعلى سلطة إدارية ومهنيّة داخل المشروع، وهو المعني بوضع السياسات وتحديد الممكن والممنوع، والذي تقع على عاتقه مسألة مراقبة جودة الأداء. يديره الدكتور علي علوه لحين إجراء انتخابات مطلع العام القادم.

- أسسنا لجنة/ فريق لقبول الأطباء، وهي مجموعة محترفة من 7 أطباء يرأسها الدكتور أيمن جليل.

تلتقي اللجنة بالأطباء الجدد على تطبيق زووم بعد دراسة أوراقهم وتجري معهم لقاء مفتوحاً يتعرف من خلاله الجدد على العيادة والعكس. آخر لقاء للجنة بالأطباء الجدد كان بالأمس، ومن خلاله وافقت على طلبات خمسة أطباء: مصريان [تخصصاتهما: أورام أطفال، ونساء توليد]، وثلاثة  يمنيون [تخصصاتهم: جراحة عامة، صيدلة]. قُدّم شرح مستفيض، بالصورة، لكيفية العمل داخل التطبيق.

- قمنا بتأسيس الوحدة التقنية برئاسة الدكتور زياد قاسم، خبير البرمجة والتقانة المقيم في ألمانيا. من خلاله تم توزيع الصلاحيات والمسؤوليات أفقياً، وتحديد ثلاثة فرق صغيرة: فريق مبرمجين لإدارة نسخة أندرويد برئاسة المهندس محمد سنان [المطور الرئيسي لنسخة أندرويد، وفريق مبرمجين لإدارة نسخة آي أوه إس/ آيفون برئاسة المهندس علي بامحمد. وفريق ثالث ستكون مسؤوليته إدارة الويب الموازي للتطبيق حتى يتمكن الأطباء من التعامل مع شكايات المرضى من مكاتبهم دون استخدام الهاتف. الويب تحت التطوير.
حدد د. قاسم مع فريقه صيغة معينة لإدارة البيانات الخاصة بالتطبيق، وآلية للاحتفاظ بها.

الحقيقة أن تلك كانت هي المشكلة الأكبر، احتكار البيانات من قبل شخص واحدـ أو شخصين. تأسيس الفريق القني أدى إلى مشاكل جمّة داخل المشروع. كان المجلس الطبي قد أصرّ في لقاءاته وبسبب على أن ترفع البيانات وتحفظ باسم تطبيق طبيبي لا باسم شخص معيّن، وأن تكون تحت إدارة جماعية لا فردية. إلى ما قبل تشكيل المجلس الطبي كانت كل البيانات بحوزة المبرمجين، وهي بيانات حساسة للغاية تخص 520 طبيباً، وقرابة 50 ألف مريض. كان موقف المجلس الطبي هو أن الأطباء فقط هم المخولون بإدارة مثل هذا الأرشيف قانونياً وأخلاقياً، ولم يكن ذلك موقف المبرمجين. أدى احتكار المبرمجين للبيانات إلى تأخر عدد من المشاريع وفي مقدمتها نسخة آي فون. الآن فقط، وقد نجحنا جزئياً في الاطلاع على البيانات صار بوسعنا إنجاز نسخة آي فون. كان الأمر شاقاً ومحزناً للغاية خلال الأشهر الماضية، وكان إصرارنا على حياد البيانات، وتسجيلها باسم التطبيق، يواجه بتهديدات غامضة وإشارات تهدد سلامتها. من يعمل في مشاريع مشابهة سيمكنه تخيل تلك الأزمة. 

بعد تشكيل الفريق التقني، وبعد أول اجتماع عقده الدكتور قاسم مع الفريق وقيامه بشرح آلية لحفظ البيانات بصورة  "مؤسسية" وإصراره على أن تحفظ كل البيانات باسم طبيبي لا باسم شخص معين، غادرنا بعض المبرمجين وأشاعوا أننا سرقنا أشياءهم. الحقيقة أن تلك الأشياء المسروقة هي بيانات التطبيق والمرضى والأطباء، وهي مجهود مئات الأطباء وثقة عشرات آلاف المرضى. كان الدكتور قاسم، المخوّل من قبل المجلس الطبي، حاسماً في موقفه وقد قدّم تقريراً تفصيلياً بما جرى إلى المجلس الطبي. أدت تلك الخطوة المؤسسية إلى تبعات كثيرة، وضجيج قرأنا عنه في أكثر من مكان.  علماً بأننا لم نستبعد أحداً، فلا يزال مطور التطبيق المهندس سنان النعيمي في مكانه مديراً لنسخة أندرويد، تحت إشراف الدكتور زياد قاسم. كان الأمر متعلّقاً بمسألة بسيطة للغاية: من سيقبل الانتقال إلى العمل الجماعي ذي الطابع المؤسسي الشفاف ومن سيفضل الإدارة في السر، والاستحواذات من وراء الستار. صارت المشكلة خلف ظهورنا الآن، ومع تأسيس الجمعية سيكون المشروع قد امتلك شخصيته الاعتبارية والقانونية والجماعية.

- قمنا بتأسيس فريق خاص بالترجمة والنشر والتصميم، برئاسة الدكتوره مها عبده. تقوم د.مها عبده بنشر الأبحاث والدروس الطبية على صفحة طبيبي التي يتابعها الآلاف، ويكتب فيها حوالي عشرون من أطباء العيادة/ المستشفى/ التطبيق. ومستقبلاً ستنتقل مع فريقها إلى التحرير في موقع العيادة فور الانتهاء منه.

- قمنا بتأسيس فريق من المحرريين داخل التطبيق مهمته إدارة العلاقة بين الطبيب والمريض. يرأس الفريق المهندسة بلسم ياسين، من فلسطين، وتنوب عنها الدكتور عائشة مهدي، من السودان. الحقيقة أن هذه المهمة هي الأكثر أهمية على الإطلاق، وهي ما يجعل العياة تضيء طوال الوقت.

يعمل المحررون 24 ساعة في اليوم عبر مناوبات مستمرة، وبعد كل مناوبة نتسلم تقريراً تفصيلياً عن إجمالي ما أنجز. تقدم مديرة الفريق تقريراً شهرياً تفصيلياً في اجتماع الأطباء الشهري على زووم [اليوم هو موعد لقاء الشهر المفتوح].

- كان موقفنا منذ البداية أن تدار العملية كلها عن طريق النقاش الجماعي، ومن خلال تأسيس الفرق والوحدات، وعبر توزيع السلطات والمسؤوليات أفقياً على أكبر عدد ممكن من الرؤوس.

ندّعي أننا نجحنا في تجاوز مراحل عديدة، وأهم ما تجاوزناه هو نزعات الاستحواذ والتقسيمات السرّية، وتلك الأفكار التي حلمت بتحويل المشروع إلى ستارت أب كومباني، أو شركة ربحية. إدارة المشروع من خلال أكبر عدد من الوحدات والرؤوس، الانتقال من إحنا بس إلى [كلّنا] لم يكن بالأمر السهل. قرأنا وسمعنا الكثير من الهجاء المجّاني في صفحات عديدة، وكل ذلك من الماضي. بما في ذلك ما سيقال مستقبلا فهو بالنسبة لنا ماض.
6. من كلّ حسب قدرته إلى كل حسب حاجته. كانت تلك الفكرة البسيطة هي الفرشة التي نمشي عليها. الطب مادة ثرية، والطبيب ليس بحاجة لعون من أحد. يعمل الأطباء، كلهم، بالمجان، ويعدون بتقديم الخدمة الاستشارية بلا كوابح ولا مقابل.

7. ولكن، ولأننا نعتمد في الأساس على مجهودات غير الأطباء فقد رأينا أن نتقدم بطلبات للحصول على دعم مالي محدود بغية أن تحصل رفيقاتنا ورفاقنا على رواتب مالية محدودة نظير الوقت والمجهود.

 تقدمنا إلى عدد من الجهات [سنسميها في الوقت المناسب]. استطعنا أن نتحصل على دعم محدود، ومشكور، من جهة واحدة فقط، بينما اعتذرت باقي الجهات. الأموال القليلة التي تحصّلنا عليها كانت تصلنا عبر ثلاثة محطات، عمل شاق للغاية، بسبب الظروف. في نهاية الأمر قمنا بتوزيع تلك الأموال الزهيدة على الفريقين التقني والإداري، وبالكاد كانت مبالغ تستحق الذكر. المبرمجان اللذان نفذا التطبيق، بعد أن رفع إليهما في تصوره النهائي من قبل لجنة من عشرة مبرمجين، حصلا على تسعة آلاف دولار، وكان ذلك أقل بكثير مما يستحقه مجهودهما الرائع. الحقيقة أنهما لم يطلبا مقابلاً مالياً، وقد وعدونا منذ البداية بأن ينفذوا العمل وينطلقوا في سبيلهم، ولكننا فضلنا أن نواصل العمل معهم وأن نقول لهم شكراً بطريقة ما. الفريق التقني الأول الذي أسسناه قبل عامين أطلقنا عليه اسم Medicus ، وهو فريق محترف فيه رؤساء شركات ومبرمجون محترفون. لما رأوا الأمور تمشي في مجاريها قالوا: تلك حدودنا، وغادروا. وكان ذلك متفهمّاً، فالمشروع مستشفى. كل الشكر لهم على بعد عامين، وسنشكرهم دائماً. بقي إلى جوارنا الآن المطور الأساسي للتطبيق، المهندس سنان النعيمي، احتفظ بمكانه كمدير تقني لنسخة أندرويد من المشروع، وسيواصل العمل معنا، وسنستمر في العمل معه. 

باقي الدعم المالي المحدود ذهب إلى أربع سيدات، طبيبتين ومهندستين. على أكتافهن يقوم كل هذا العمل، وهنّ جنود السر اللاتي يجعلنَ هذا العمل ممكناً بالطريقة التي نشاهدها.

ــــــ
ملحوظة:
كتبت هذا النص بالأمس بعد لقاء مع المجلس الطبي [15 طبيب]، ثم أرسلته لهم لقراءته والتعديل عليه. وصلتني التعديلات في المساء، والآن أنشره.

كل المحبة والتقدير.

د. مروان عبد الغفور
عن طبيبي ومجلسه الطبي

مقالات الكاتب

حرب بين الحروب

"لن نسمح بتهديد تفوقنا العسكري في المنطقة"، قال مسؤول عسكري إسرائيلي. يلتقي البلدان، إسرائيل وسوريا،...

كيف مات زكريا الشامي ؟!!

الكهان كثيرون، والحقيقة في مكان آخر. شكر رواد تويتر سلاح الجو السعودي، وعلى فيس بوك جرت أحاديث عن تص...

عن طارق والمعركة

من الصعب الدفاع عن موقف طارق عفاش، الآن وأمس. غير أنه من الممكن فهم موقفه والتعاطف معه.  يمل...