ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
هناك مثل مشهور، يقول: كن نملة تأكل سكراً، أي كن صغيراً حقيراً، وستأكل الحالي، ولكنه حالي يكسوه الذل، قال غسان كنفاني: (( يسرقون رغيفك، ثم يعطونك منه كسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم، يا لوقاحتهم)). هذا هو حال من جاء لمساعدتنا للقضاء على التمرد، فمنذ مجيئهم انتكست معيشتنا، فمُنعت المطارات من مزاولة أعمالها، وأغلقت الموانئ في وجه التجارة، وجمدت الثروات، وأصبحوا هم الآمر الناهي فيها، فيا لوقاحتهم، فلقد ظن الذين يتسلمون آخر الشهر ريالات الذل أنهم يأكلون السكر، ويشربون العسل، وما علموا أنهم مجرد نمل في نظر أولئك الرعاة الطامعين.
أخذوا رغيفنا كله، ورموا لنا منه كسرة، ويريدون منا أن نسبح بحمدهم، يأكلون رغيفنا ويطالبوننا بشكرهم على حسن تعذيبنا، أخذوا يرسمون سياساتهم ومن على رقعة بلادنا التي لم يكن أحد منهم يجرؤ حتى على التفكير في الاقتراب منه، بل أن ذكر اسمه كان يرعبهم، واليوم يمارسون ومن على تراب أرضنا أبشع الجرائم للنيل من هذا الشعب العظيم، فهم يريدون تركيعنا من خلال تجويعنا، ويريدون لهذا العملاق اليمني أن يتحول إلى نملة، وشعارهم، كن نملة تأكل سكراً.
هيهات منا أن نغدوا نملاً، فالعملاق يظل عملاقاً، ولا تموت الأشجار إلا واقفة، والنمل تطأه الأقدام، وإن أكل السكر، النمل دائماً يعيش بين الحفر، وإن اكتنز السكر، فحياته تحت الأرض، وإن خرج من حفرته داسته الأقدام، وإن حمل في فيه السكر، فالنملة تظل نملة، وإن أكلت السكر، والعملاق يظل عملاقاً، وإن كان لا يملك إلا الكسرة.
كن نملة تأكل سكراً، مقولة فيها من الحلاوة ما فيها، ولكنها تحمل الذل كل الذل بين حروفها، فالنملة معرضة للدهس، والدعس، والتحطيم، فلن تفيدها حلاوة السكر، ولن يدافع عنها ذلها، فمن ارتضى أن يكون نملة ليأكل السكر، أصابة الذل، والهوان، وذاق مرارة العيش مع حلاوة السكر، فلا ترض أن تكون نملة، واطلب الشهد بعسله مع ما أنعم الله به عليك من حرية، فالحرية لا يعدلها عسل الدنيا كله.