إهانة الرئيس ..!
* لم نفهم الأبعاد الموضوعية والفنية والفلسفية التي دفعت قيادة وزارة الشباب والرياضة في الحكومة الشرع...
أورد الكثير من المتابعين لرحلة منتخب اليمن للناشئين في نهائيات آسيا بماليزيا، أسبابا عديدة لسقوط منتخب اليمن أمام منتخبي سلطنة عمان وكوريا الشمالية ، منها أن الأرض الماليزية لا تتكلم عربي ، والطقس في (كوالالمبور) كان ممطرا متبلدا في مشاعره ، ولم يراع حقيقة أن ناشئي اليمن هرولوا إلى ماليزيا بمشاكل لا حصر لها من بينها أزمة مالية خانقة فرضت على المنتخب إقامة معسكرات (ساندوتشية) لا تسمن من جوع فني ولا تغني من فقر تكتيكي..
كل هذه الأسباب معروفة ويلوكها الشارع الرياضي اليمني بنظام (العلكة)، لكن الليالي غير الملاح حملت لليمنيين سببا مخيفا تدحرج مثل كرة ثلج ليضع اتحاد الكرة في عين العاصفة ..
وحتى يبطل العجب بمعرفة السبب في تحويل أفراح اليمنيين بمنتخب الأمل إلى أتراح ، يمكن لكل عشاق منتخب اليمن قراءة خريطة الفضيحة المالية التي فجرها مدير منتخب الناشئين (محمد الروحاني) ..
فوجئ الجمهور اليمني الذي يعيش بين نارين ، نار حرب طاحنة وقودها الناس والحجارة ، ونار الوضع الاقتصادي المتردي ، باتحاد الكرة يصدر عبر مكتب أمانته بقطر خطابا يدعو فيه وزير الداخلية اليمني إلى اعتقال (الروحاني)، على خلفية اختلاسه لمبلغ مالي وقدره 19200 دولارا أمريكيا ، وهو المبلغ المخصص كبدل سفر للاعبي المنتخب اليمني للناشئين ..
قال (والعهدة على الراوي الاتحادي): إن (الروحاني) تسلم المبلغ من أمين السر العام في القاهرة ، قبل سفر المنتخب اليمني إلى ماليزيا حيث يخوض هناك التصفيات النهائية في مجموعة صعبة، ضمت إلى جواره منتخبات عمان وكوريا الشمالية والأردن ..
حاليا يتابع الجمهور اليمني هذه الفضيحة الأخلاقية بصورة تداخلت فيها الكثير من الإشارات غير المفهومة ، من بينها كيف سمح الاتحاد لمدير المنتخب اختلاس المبلغ دون ضبطه ؟ وكيف يغادر المنتخب إلى ماليزيا بدون مديره وبدون بدل السفر ونثريات العوز والحاجة ..؟
ومن هي الجهة الآثمة التي سمحت له بالعودة إلى اليمن بمنتهى السلاسة والسهولة؟
الأغرب من الأبل أن (الروحاني) ينكر استلامه المبلغ من الأمين العام لاتحاد الكرة، الذي يرفض العودة إلى (عدن)، ويصر بشكل غريب على إدارة شؤون وشجون الكرة اليمنية من (الدوحة) بالعملة الصعبة، حيث يؤدي هناك عملا مزدوجا مخالفا لكل الأعراف والمواثيق الدولية ، لكن إذا كان غريمك القاضي، فمن تشارع ؟..
وبحسب مذكرة رفعها اتحاد الكرة لوزير الداخلية اليمني (أحمد الميسري) طالب فيها بضرورة اعتقال (الروحاني) في مطاري عدن وسيئون ومصادرة المبلغ ومن ثم إعادته للبعثة اليمنية في ماليزيا بما يساهم في تخفيف الأعباء النفسية عن اللاعبين ، يحلف الأمين العام أمام كل جامع في (الدوحة) أنه سلم مبلغ بدل سفر اللاعبين والإداريين (19200 دولار أمريكي) لمدير المنتخب (الروحاني) في القاهرة ، في حين ينفي الأخير تسلمه للمبلغ على ذمة ما تتداوله بعض مواقع التواصل الاجتماعي ..
وأيا كانت التراشقات بين (الروحاني) والأمين العام (حميد شيباني) حول مصير المبلغ الكبير، ستبقى حقيقة واحدة على الجمهور اليمني التعامل معها مفادها أن منتخب الناشئين يدفع ثمن ممارسات أمينه العام الذي يفرض على المنتخبات من يريد ، كما أنه يحاول أن يبدو في صورة الفضيحة المجلجلة ضحية لصراع بين بعض أعضاء اتحاد الكرة ، فمن الواضح أن تصفية الحسابات بين تلك الأطراف انعكست بشكل سلبي على منتخب الناشئين اليمني الذي يصرخ لاعبوه في ماليزيا : لسنا طرفا في حروبكم الداخلية ، اعطونا حقوقنا قبل أن يجف عرقنا ، لا داعي لافتعال الأزمات ولا تجعلوا مصيرنا بيد حاميها حراميها ..
لا يستطيع اتحاد الكرة أن يتبرأ من مسؤولياته ، ولا يستطيع أن يقنع الجمهور اليمني الذي ضاق ذرعا من نرجسية إدارته للكرة اليمنية بنظام أقرب إلى العشوائية منه إلى العمل المؤسسي ، بدليل أن ما حدث من اختلاس لمخصص الناشئين ، ربما يمثل فقرة ضمن فقرات خفية لم تر النور بعد، ولعل حجم التأويلات والشكوك التي تحاصر عمل الأمانة العامة دليل آخر على أن المزاجية الفردية هي من تتحكم بزمام الأمور في اتحاد الكرة اليمني، ومن الطبيعي أن تفرخ منهم على شاكلة المختلسين الطماعين ..
جميل جدا أن يضرب اتحاد الكرة اليمني بيد من حديد ، والأجمل أيضا أن يعقد محاكمة عاجلة لمن أختلس مخصصات منتخب الناشئين وساهم بالتالي في زعزعة ثوابت المنتخب، ومن ثم تجريد اللاعبين من العامل المعنوي ، وهو العامل الأهم الذي تبني عليه المنتخبات اليمنية جل خططها ، فأي تراجع عن محاكمة المختلسين سيذر الرماد في عيون أعضاء الاتحاد ، وستنكشف الأقنعة المكيافيلية التي جعلت العمل الإداري للمنتخبات مغنما لا مغرما ..
يأمل اليمنيون المحبطون من أداء منتخب الناشئين في ماليزيا توضيح الصورة أمام الرأي العام، وعدم عقد صفقات سرية مع أي مختلس للمال العام ، على أساس أن تسوية الأمر مع من يسيء للأمانة التي اشتكت منها الجبال ستفتح على اتحاد الكرة (المنتهي ولايته أصلا) نيران الشك ، فأي صفقة داخلية تتم على أساس قاعدة المرور الشهيرة في اليمن (ثلثين بثلث) ستعني أن صفقات مشبوهة مماثلة مرت على موائد اللئام مرور الكرام، وستعني أن أطرافا في الاتحاد سهلت عملية الاختلاس، وما خفي كان أعظم ..
من يعتقد أن عملية الاختلاس هي السبب المباشر في تبخر آمال منتخب ناشئي اليمن ، وبالتالي ضياع حلم الوصول إلى نهائيات كأس العالم ببيرو العام القادم مخطئ تماما ، فعملية الاختلاس التي تحاصر (الروحاني) على ذمة الأمانة العامة كانت الضربة الأخيرة في خاصرة المنتخب معنويا ، فقد سبق هذه الفضيحة المدوية التي كشفت عن قبح الاختيار مجموعة من (المشاغبات) الاتحادية المقصودة ، سنكشف النقاب هنا عن حكايتين نسفتا استقرار المنتخب ،لأسباب هي خليط بين نرجسية الأمين العام الذي يلعب البيضة والحجر ولا أحد يقول له : قف عند حدك ، و عشوائية أعضاء اتحاد يلعبون لمصالحهم الخاصة، وأيضا لضرب آخرين من تحت الحزام لدواعي انتقامية ..
الحكاية الأولى .. تراجيدية خاصة، تابع الجمهور اليمني معطياتها دون أن يلم بكل تفاصيلها ، ففي لحظة انفعال معمدة بسبق إصرار وترصد ، أقال اتحاد الكرة (دون الرجوع للجنة الفنية ) مدرب المنتخب السوري (محمد ختام)، بطل ملحمة صعود المنتخب إلى النهائيات ، كان السبب الذي طيره مسيرو المؤامرة أن المدرب السوري لم يلتزم بالحضور إلى معسكر المنتخب الداخلي في (المكلا) ، ولقد افتعل عضو الاتحاد (أحمد مهدي سالم) - حسب مصدر مقرب من الاتحاد - أزمة مع المدرب ، ثم راح البعض ينفخ في قربة المشاكل بين ختام و إدارة المنتخب ، انتهت بإقالة (ختام) فورا دون استئناف ، ووفق سيناريو مرسوم تمت تغطية الخلاف مع المدرب بصورة نهائية ..
أداريو منتخب الناشئين استغلوا حالة الفوضى التي تعصف باتحاد الكرة في ظل رئيسه الشيخ (أحمد العيسي) المنهمك في العمل السياسي على حساب عمله الرياضي ، وتناسوا أن بينهم وبين (محمد ختام) شرطا يتمحور في عدم التدخل في شؤونه الفنية ، وفي ضرورة أن يكون العمل تحت قيادته دون سواه ، ولعل قبضة (ختام) الحديدية على المنتخب دفعت (المتمصلحين) إلى ضرورة التصادم مع المدرب ، وهو ما كان ..
فوجئ المدرب (محمد ختام) بخمسة لاعبين جدد تم ضمهم إلى قافلة المنتخب دون علمه ، ثار المدرب وغضب غضبة مضرية ، وهنا حدث التصادم الذي تم بعد أن أعطى (حميد شيباني) الضوء الأخضر للانقلاب على شرعية المدرب (ختام) ، كان المسرح في (المكلا) مهيأ تماما للخلاص من (الزلمة) الذي حقق في التصفيات إنجازا بطعم الإعجاز ..
ذهب (محمد ختام) لحال سبيله وسط هالة إعلامية اتحادية غير مسبوقة، صورته على أنه (غول)، ثم راح المنتفعون يروجون لإشاعات مغرضة بهدف امتصاص غضب الجمهور اليمني، الذي كان حينها يفتقد للخلفيات الحقيقية التي دفعت الاتحاد للتخلي عن المدرب في ظرف عصيب للغاية ..
الحكاية الثانية .. بدأت فور إقالة (ختام) ، وكانت ذات فصلين ، الأول : ممارسة تعبئة فنية ضد المدرب المقال وتضخيم طلباته ، ولقد تم إقحام (عنزة) اللجنة الفنية في الموضوع مع أنها لجنة (نائمة ) في الكهف لأربع سنوات كاملة ، وليس لها في صراع بعض أعضاء الاتحاد مع (ختام) ناقة ولا جمل ..
أزعم أنني عضو في اللجنة الفنية (هكذا أخبرني رئيس اتحاد الكرة قبل أربع سنوات) ، وأحلف لكل الجمهور اليمني شمالا وجنوبيا أن اللجنة لا تستشار ولا تلتقي ولا تجتمع ولا تتواصل مع بعضها إلا إذا كان الاتحاد أصدر قرارا بابعادي دون علمي هنا تختلف الصورة دون أن تغير من واقع اللجنة النائمة شيئا ..
المهم أن الاتحاد حاول تغطية جريمته ضد (ختام) بممارسة تجييش وتعبئة الرأي العام اليمني ضد (ختام) ، ربما نجح الاتحاد في خداع الشارع اليمني بعض الوقت ، لكنه فشل في خداع الشارع كل الوقت بعد أن انكشف الغطاء، فبصرك اليوم حديد ..
عندما حاول الاتحاد (دون الرجوع للجنة الفنية التي تجعجع دون طحين) إصلاح خطأ إقالة (ختام) بالتعاقد الخاطف مع المدرب المصري (مجدي شلبي) ، كان الاتحاد في الواقع يرتكب حماقة مزدوجة أعيت من يداويها ..
كان التعاقد مع (شلبي) قبل انطلاق نهائيات آسيا بأسبوعين ضربة موجعة للمدرب الوطني (وائل غازي) ، فهذا الأخير هو مساعد (محمد ختام) وتشبع بالكثير من مميزاته في قراءة المباريات ، وقدوم (شلبي) المفاجئ حنط كل استراتيجياته الفنية ، لأن عصمة القرار الفني انتقلت من يده إلى يد (شلبي) ..
كان التعاقد مع (شلبي) في الظرف العصيب غير مفهوم البتة ، إلا إذا كان اتحاد الكرة أراد بهذا التعاقد الغامض تقديم مثالا واقعيا يترجم حقيقة المثل الذي يقول : اللي معه دولار محيره يجيب حمام ويطيره ..
لكن اتحاد الكرة في ظل هلامية العمل الإداري ، وفي ظل احتكار أمينه العام للمشهد دون سواه ، لم يكن يعلم أن عقابا شرها يحوم في سماء الاتحاد ليفترس ما يقرب من عشرين ألف دولار دفعة واحدة، هي حصيلة بدل سفر أكباد يمنية تمشي على أرض ماليزية ممطرة لا تتكلم عربي ..!
ولأني مصدوم مثل الجمهور اليمني من البلعوم حتى الحلقوم من هول مهازل الأمانة العامة لاتحاد الكرة ، فلا بأس من تخيير الأخ (أحمد العيسي) : إما العودة الكاملة لمحيطه الرياضي أو التفرغ الكلي للسياسة ، فالجمع بين الرياضة والسياسة لا يجوز ذهنيا و أخلاقيا ، ليس هناك ما هو أفضل من الاختيار يا رئيس الاتحاد : تسريح بإحسان أو إمساك بمعروف ..!