حرب بين الحروب
"لن نسمح بتهديد تفوقنا العسكري في المنطقة"، قال مسؤول عسكري إسرائيلي. يلتقي البلدان، إسرائيل وسوريا،...
شاهدت لقاء سلطان العرادة، حاكم مأرب، مع مجموعة من الصحفيين الدوليين. أدار اللقاء العزيز ماجد المذحجي، وكانت الأسئلة تدور حول مأرب كموضوع، بلا تشتيت.
كشف العرادة لأول مرة، بحسب علمي، عن حجم الخسارة البشرية التي تكبدتها الجمهورية في مأرب خلال عام واحد:
سبعة عشر ألف شهيد من الجيش والقبائل
وخمسون ألف جريح ومعاق.
أي ما يداني السبعين ألف بين قتيل وجريح في عام واحد (2020/2021)
استدركت دائرة الشهداء وقالت في بيانها إن العدد في حدود الالف وسبعمائة شهيد في عام واحد، وأن المحافظ أخطأ فيما قاله.
على كل حال
لا تزال هذه الكلفة الباهضة في أولها، فالحاكم الإيراني لصنعاء يصر على اقتحام المدينة ليضع حدا لصداع الشمال قبل أن ينظر باتجاه البحر.
قال العرادة إنه ما من قوات عربية في مأرب، وأن مقاتلات التحالف هي المساهمة الوحيدة، وأن العرب فككوا المنظومات الدفاعية كلها ولم يبقوا من الحشود سوى "مجموعة" من المستشارين التقنيين السعوديين.
كان واثقا من قدرة مدينته على الصمود، فهي كما قال باتت محمية بكل اليمنيين. ذلك أنها تعافت من الصراعات السياسية التي أودت بصنعاء وباقي المدن.
سيعاود إيرلو الهجوم قبل أن تتغير السوانح الدولية. إدارة بايدن جمدت السياسة الخارجية للجمهوريين ولا يبدو أنها قد اتخدت
وضعا استراتيجيا معينا. حرفيا لا تزال تتحسس طريقها. وسيكون خبرا جيدا لكل المجتمع الدولي فيما لو سيطر الحوثي على مأرب واتخذ صفة الوالي الأخير لكل الشمال. ستغادر المسألة اليمنية خانة الإنساني إلى السياسي، سيتخفف الأمميون من إحساسهم بالذنب، وسيتشاغل المجتمع الدولي بالترتيب لحوار شمالي جنوبي تحت وعود ونصائح من السماسرة الإقليميين. سيقدم إيرلو وعودا بإصلاح الذات الداخلية وإشراك المهزومين في حكومة تحت قبضته وقبضة آل البيت الأطهار.
ثم يسدل الستار على هذا المذبح المريع.
الحوثي منظومة إرهاب محلية، هذا المستوى المنخفض من الإرهاب لا يشغل أحدا خارج الحدود عدا هيومن رايتس ووتش التي، هي الأخرى، فشلت في رؤيته على حقيقته.
قال العرادة الكلمات كلها، لم يبق منها شيئا. فالمدينة التي توافد إليها مليونا نازح انشغلت بمسائل أربعة: وفرت لهم السوق، الصحة، الأمن، والتعليم. كانت قبل الحرب مدينة في الهامش، صحراء من شارع واحد وطابقين. ثم صار عليها أن ترعى منبوذي المدن الكبرى والجبال المنخفضة، أولئك المساكين الذين بدلا عن ان يصرخوا فروا. كل هذا، وعليها أيضا أن تحارب الوثي الذي أغار عليها بكل ترسانة الحيش اليمني.
حرب مأرب في القبضة الإيرانية، ضمن ملف كبير اسمه مأساة اليمن. الآن وقد فتح بازار النووي مع إيران فإن أحدا لن يجرؤ على القفز من ملف إلى آخر كي لا يغضب الملالي، وحتى تمر العملية بسلاسة. وإلا فسيرفعون منسوب التخصيب إلى عشرين في المائة. ترفض إيران نقاش التفاصيل، تريد حلا شاملا لعلاقتها بالمجتمع الدولي، وفي مقدمة ما تريده التسليم بمجالها الحيوي الذي يصل إلى اليمن ويتجاوزها. اليمن فصل في كتاب إيران، ولا تقبل إيران أن تقرأ الرواية من آخرها ولا من منتصفها.
كان بايدن نائبا لأوباما الذي قال في عامه الأخير، 2015، أثناء حوار مدو مع ذا اتلانتيك: على السعودية أن تقبل بتقاسم النفوذ مع إيران.
السعودية، حليف اليمن الأهم، غارقة في مشاكلها الداخلية والخارجية، وهي تتعالى على المسألة اليمنية حتى إنها وضعت الملف كله في يد حفنة ضباط متوسطي الرتب. وشاهدناها توقف جبهات بكاملها، جبهات واعدة، بسبب تدوينة.
تحللت الجمهورية حتى وصلت إلى "عجب الذنب" بالتعبير الأصولي، وهو أصغر وحدة حية في جسد الإنسان، ثم سيحدث مطر غزير ويتخلق من جديد ويعود كما كان، تقول الأسطورة.
تلك هي مأرب إن استطعنا الحفاظ عليها ..
نهاركم سعيد
م.غ.