وطنٌ لا نحميه.. لا نستحقه

يصادف اليوم الجمعة 1 سبتمبر عيد القوات المسلحة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهو اليوم الذي أعلنا فيه عن تأسيس الكلية العسكرية في معسكر صلاح الدين بعدن عام 1971. وقد تسلمتُ منصب وزير الدفاع في نهاية ديسمبر 1969 في ظروف بالغة التعقيد داخلياً وخارجياً. وكانت القوات المسـلحة، ألوية قليلة العدد، قليلة التسليح، سلاحها مجموعة من البنادق غير الآلية (303 شرفا وكنده)، وبعض الرشاشات الخفيفة والمتوسطة (برن وسترلنج)، ومدافع ميدان من عيار 25 رطلاً، وعدد من عربات (صلاح الدين)، وعربات مدرعة من نوع (فيريت)، وعدد قليل من الطائرات الجت بروفست البريطانية، فضلاً عن زورق أو زورقين صغيرين وسفينة إنزال وهذا كل ما تركه لنا البريطانيين. ولم يكن بوسع قوة صغيرة كهذه، بسلاحها المحدود، أن تحمي سيادتنا الوطنية وحدودنا البرية والجوية والبحرية الطويلة وموقعنا الإستراتيجي في باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي وجزيرة العرب.
كما ذكرنا أنفا، أن الكلية العسـكرية (مصنع الرجال) أُنشئت لأول مرة في سبتمبر 1971م وقد أصبحت بحق مركز تأهيل أساسياً تخرَّج منها آلاف الطلاب العسكريين، ورُفدت القوات المسلحة بالجهاز العسكري في مختلف التخصصات بدماء وطنية جديدة. وإلى جانب هذه الكلية أنشأنا عدد من المدارس وفقاً للخطة الخمسية 1970- 1975 مدرسة المدفعية، والإشارة، والدروع، ومركز التدريب، ومدرسة القادة والأركان، والكلية الجوية والدفاع الجوي، ومدرسة المشاة الموحدة، ومدرسة النقل والهندسة والطوبوغرافيا، ومدرسة سلاح المهندسين، ومدرسة الموسيقى. كذلك نظّمنا دورات طبية ودورات في المكافحة والوقاية من الحرائق وأهم فريق رياضي عسكري في القوات المسلحة.
الجدير بالذكر أنه لم يوجد حينها نظام أو قانون لتنظيم وزارة الدفاع، ولا هيكل ينظم علاقاتها الداخلية وعلاقتها بقيادة الجيش والقوات المسلحة عموماً، برغم صعوبة الأوضاع... لم يكن يشغلني شيء أكثر من تسليح القوات المسلحة وبنائها وإعادة تأهيلها. وعندما كنت أفكر في ذلك، كنت أدرك أنّ "الجيش" الذي ورثناه هو جيش اتحاد الجنوب العربي الذي أنشأه الإنكليز، لكن هذا لا يعني أنه معادٍ للثورة والنظام، فقد وقف إلى جانبهما حتى النصر. 
لقد ترك لنا البريطانيون نظاماً إدارياً ومالياً متطوراً في الجهاز المدني والعسكري، وأُسساً مهمة للانضباط العسكري، طوّرناها لاحقاً، ولأهمية تنظيم عمل وزارة الدفاع استعنا بخبراء عسكريين عرباً من القطر العربي السوري الشقيق، أتذكر منهم اللواء زهير غزال، واللواء إبراهيم يونس، والعميد عبد السلام قعقع ود. مظفر البيطار، الذين استعنتُ بهم لوضع الأسس القانونية لتنظيم عمل الوزارة وإنشاء كلية عسكرية وتشغيل المشفى العسكري، فضلاً عن عدد من الطيارين.
في 7 / يوليو 1970م عقدتُ اجتماعاً في قيادة القوات المسلحة لمناقشة خطة تطوير القوات على أسس جديدة. ودعوتُ إلى اجتماع الخبراء العسكريين السوريين الذين أوفدهم بطلب مني الرئيس السوري حافظ الأسد (وزير الدفاع حينها)، وكذلك الخبراء السوفيات، وحضره عدد من ضباط القوات المسلحة، ومن هؤلاء الذين حضروا الاجتماع أحمد صالح ضالعي، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لهيئة الأركان.
منذ مطلع عام 1970 بدأت أولى الخطوات في السير على الطريق الطويل الصعب لبناء القوات المسلحة، وشرعتُ في وضع الخطة الخمسية لبناء القوات المسلحة، حددتُ فيها الأهداف الرئيسة على النحو الآتي:
1-  إعادة تنظيم القوات البرية ومضاعفة عددها.
2-  تحديث أسلحة القوات المسلحة لتحلّ محلّ أسـلحتها البريطانية القديمة تدريجاً حتى نهاية الخطة التي تنتهي في عام 1975. 
3-  تحسين مستوى الجهاز الإداري، والثقافي، والسياسي والعسكري.
4-  بناء قوات جوية تستطيع ضمان النقل الجوي والدفاع، ودعم القوات القتالية في المراكز البعيدة، والقيام بمهمة حماية أجواء البلاد.
5-  إنشاء أسطول بحري قوي يحمي الحدود البحرية المترامية الأطراف، والجزر اليمنية المنتشرة في البحر العربي والبحر الأحمر والمحيط الهندي.
6-  تأسيس شبكة دفاع جوية لحماية العاصمة والمنشآت الحيوية فيها، مثل مصفاة النفط (أهم مرفق اقتصادي في البلد).
7-  إنشاء عدد من المدارس والكليات العسكرية التي تُعدّ القوات المسلحة وتدربها، إضافة إلى تأهيل الآلاف من العسكريين في الاتحاد السوفياتي والدول الصديقة والشقيقة الأخرى.
8-  إيجاد هيئة أركان عامة وفروع لها حسب الهيكل الهرمي للمؤسسة العسكرية، للإشراف والمتابعة والتخطيط، ووضع الأنظمة واللوائح لوزارة الدفاع ولشُعَبها، وللأسلحة في القوات المسلحة.
ومنذ عام 1970 وحتى 1975، شرعنا في الخطة الخمسية للقوات المسلحة التي وافق عليها وزير الدفاع السوفيتي المارشال غيرشكو أثناء زيارتنا لموسكو في نهاية أغسطس 1970، ونفّذنا أهمّ ما تضمنتها من الأهداف الثمانية المشار إليها أعلاه تسليحاً وتدريباً ابتداءً بالمسدس وانتهاءً بطائرات ميغ 21 وصواريخ سكود وغيرها من الأسلحة الحديثة. وأتذكر أنني بعد أن تركت وزارة الدفاع لخلَفي علي عنتر في نهاية عام 1977م، كنا نمتلك جيشاً قوياً وحديثاً ومتطوراً ومؤثراً ومهاباً يستطيع الدفاع عن سيادتنا الوطنية، وحماية حدودنا البرية، ومياهنا الإقليمية، ومجالنا الجوي وقرارنا الوطني دون أيّ اعتبار للمصالح القبلية أو المناطقية الضيقة. وفي كلمة لخَلَفي علي عنتر، وزير الدفاع بعدي، في المسرح الوطني بالتواهي مساء 31 / أغسطس 1980 بمناسبة العيد السنوي للقوات المسلحة قال فيها: 
"لسـتُ هنا بصدد ترديد ما قلته في السابق عن الدور العظيم للرفيق علي ناصر محمد، الأمين العام للجنة المركزية، رئيس هيئة رئاسـة مجلس الشـعب الأعلى، رئيـس مجلس الوزراء، الذي كان وزيراً للدفاع، وإنما لأنّ البصمات التي تركها الرفيق علي ناصر بأعماله الجليلة لا تزال هي التي تهدينا نحو تطوير وتعزيز قواتنا المسلحة، وإنّ اهتمامه الشخصي اليومي المستمر يعطينا شحنة جديدة في نشاطنا اللاحق"
وفي هذه المناسبة نهنئ الفريق وزير الدفاع محسن الداعري والقوات المسلحة، ونتمنى لهم التوفيق والنجاح في مهامهم الوطنية والعسكرية والسياسية لإعادة بناء جيش وطني يحمي سيادة اليمن ويدافع عن حدودها البحرية والبرية والجوية بالتعاون مع كافة الأطراف التي تحرص على وحدة الوطن وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه.
كل عام وأنتم بخير...
علي ناصر محمد

مقالات الكاتب

203 يوم من الصمود البطولي

بعد مرور 203 أيام على الحرب الوحشية على غزة والمدن الفلسطينية لا يزال الشعب الفلسطيني صامداً بوجه جي...