ليلة القبض على راتبي
عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص، وص...
بعد صلاة الفجر، والطير تتهيأ للانطلاق، نستعد جميعاً للانطلاق، فالكل جاهز، وكل واحد قد وضع منجله في يده، والحمار قد شدت عليه الأمتعة ليوم الحصاد، ننطلق مع نسائم الصباح الباكر، نتجاذب الحديث، نلهو بمتعة الطريق، القائد أبي، يمضي أمامنا، ونحن خلفه كالجنود، منا من امتطى ظهر الحمار، ومنا من يسابق الطريق حتى نصل لموقع الحصاد مع بزوغ الشمس، ونضع الأمتعة تحت الظلال.
يتقدم القائد أبي ويبدأ بتوزيعنا، ويحدد لنا مواقع الحصاد، فتشرع مناجلنا تقتلع ما أمامها، والندى يتساقط على رؤوسنا فيزيدنا نشاطاً، نرتص كالجنود، ونتسابق لنرى من سيحصد أكثر، بعدنا تجلس النساء العاملات ليقطعن سنابل ما طرحناه أرضاً، تمخر مناجلنا عباب الخضرة، والمكان كالحديقة الغناء تملأ أرجاءه أصوات العصافير، تتداخل مع مهاجل نرددها في هذا اليوم الجميل، فيصيح أحدنا منبهاً ثعبان ثعبان، فنتسابق لقتله، وسط ضحكات ممن يسقط وسط تشابكات الزرع، والنساء يهربن بعيداً، فنقتل ذلك العدو المتسلل، ونستمر في العمل، نمسح العرق بأيدينا المبللة بلون الخضرة، فيصيح الصغار الذين قد اعتلوا أعالي السوم يصيحون بفرحة مبشرين بقدوم القراع، فنتوقف عن العمل ونعود إلى تحت شجرة السدر الكبيرة وافرة الظلال، فنغسل أيدينا، ونرتشف الماء، ونجلس حلقاتٍ حلقات، حلقة للرجال، وأخرى للنساء، ويتسيد القائد أبي المجلس، ويتم توزيع الخبز والخصار، والشاي والقهوة، فنتلذذ بأجمل وجبة، وتتداخل ضحكاتنا وهمساتنا، هذا يقول صب الشاي وذاك ينادي أعطني ماء، وآخر ينادي، هل تحتاجون المزيد من الخبز؟ وذاك يمد يده، نعم نعم المزيد المزيد.
تتوزع الفرحة بيننا بالتساوي، ولا نغسل أيدينا، لأن العودة ستكون لموقع الحصاد، ونتوسد الخضرة لنرتاح قليلاً، تملأ المكان رائحة المشموم، فيوجهنا القائد أبي لنستأنف العمل، فننطلق لمتابعة العمل، ويمر الوقت ويأتي وقت الغداء وقد شارفنا على الانتهاء، ونطلب الراحة من القائد أبي، فنعود لنرتاح تحت الشجرة الوافرة الظلال حتى يحين موعد مجيء الغداء، فيأتي الغداء، ونتناوله، فما أجمل تناول الطعام في الهواء الطلق، تحيط بك الخضرة، وأنت تتفيأ ظلال الأشجار، ورائحة الزرع التي ترد الروح، بعد تناول وجبة الغداء نستلقي لطرح تعب اليوم كله في ساعة نوم، واسترخاء، وحديث شيق، ثم نعاود العمل حتى تدنو الشمس من المغيب، فنعود إلى البيت مكللين بالتعب، والإرهاق، فنغتسل، ونجلس نسولف في سمرة عائلية رائعة كروعة تلك الأيام الخوالي، ثم ننام لنفيق على نفس الموعد، ونفس النداء، فيا لها من أيام جميلة، ورائعة، فالنفوس صافية كصفاء تلك الأجواء، فيا ليتها تعود.