الرئيس علي ناصر يكشف عن المتسبب في اندلاع الحرب والقطيعة بين عدن وعُمان

كريتر سكاي/خاص:


إعداد / د. الخضر عبدالله : 

الزيارة الأولى لعمان

يواصل الرئيس علي ناصر محمد الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حول زيارته الخارجية، وهذه المرة يتحدث عن زيارته إلى دولة عمان وقال مسترسلا في حديثه :" التقيت أحد الأصدقاء العُمانيين الذين تعرفت إليهم في صنعاء، وهو السيد عبد الله الراشد، الذي لامني على عدم زيارة السلطنة التي يكنّ مسؤولوها الكثير من الاحترام لشخصي، وما أبدى شخصياً مشاعر طيبة نحوي، وقد وعدته خيراً... مرّ زمن على ذلك اللقاء، وإذا به يتصل مساء الثلاثاء 4 آب/أغسطس 1992م، قائلاً: لقد شاهدناك بالملابس العربية في تلفزيون أبو ظبي وعرفناك، وكان يشير إلى حضوري سباق الزوارق الذي ذكرته في ما سبق، وسأل: ما رأيك لو قمت بزيارة بلدك الثاني عُمان ما دمت قريباً منا الآن؟!، وافقت على الزيارة، وفضلت السفر عبر العين للتعرف أولاً إليها... ومن العين انتقلت برفقته إلى واحة البريمي. لم أصدق أننا انتقلنا بهذه السرعة بين بلدين ما إن تجاوزنا جزءاً من الشارع حيث لا توجد نقطة أو إشارة تدلّ على أننا قد انتقلنا من الإمارات إلى سلطنة عُمان. وهناك أقلّتنا طائرة عمودية «هليكوبتر» حديثة، جيدة التجهيز، شعرت فيها بأننا في طائرة من طائرات الركاب الفخمة التي كانت مجهزة بالمقاعد والتكييف والأحزمة، ولم ينسَ مضيفونا العُمانيون الضيافة العربية الأصيلة، التمر والقهوة. قطعنا المسافة بين البريمي ومسقط في بنحو ساعة، وكانت الرحلة ممتعة ومريحة وسط مشاعر أخوية صادقة وأحاديث ودية شعرت بها صادرة من القلب إلى القلب. شعرت بأنني قد انتقلت إلى اليمن، وأنني أحلّق في السماء اليمنية، لأن كل من في الطائرة كان يشعرني بأنني جزء منهم وأنهم أهلي وإخوتي.

ذكريات ومواقف!

ويتطرق الرئيس في حديثه بالقول :"  واثناء الطائرة تحلّق على ارتفاع منخفض، بينما كنت أُحلّق بتفكيري وأشرد أحياناً على الرغم من ضجيج المروحية... الحديث مع مرافقي عبد الله راشد وديٌّ للغاية، وكان يبتسم طوال الوقت، وأشعرني بلطفه بأنه قريب مني وأنني أعرفه منذ عشرات السنين. تذكرت وأنا أُحلّق فوق الأراضي العُمانية تاريخ العلاقات بين اليمن الديمقراطية وسلطنة عُمان، الخصام والوئام، الحرب والسلام، الحقيقة والأوهام. تذكرت الحرب بين الطرفين. تذكرت حوف وصرفيت وجاذب وتمريت. تذكرت عبد العزيز القاضي، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير عُمان، وعلي سالم البيض الذي كان يتبنى الثورة في عُمان وتحرير الخليج العربي، والشخصيتان مارستا دوراً كبيراً في القطيعة بين البلدين طوال السنوات الماضية. تذكرت تلك الأوهام بتحرير السعودية وبقية الخليج، بينما لم يكن نشاطهم يتجاوز أحلام الجلسات الخاصة. تذكرت التصفيات الجسدية لكل من يعارضهم في الرأي أو يختلف معهم في الرؤية بحجة الصراع الطبقي، وتذكرت هزيمتهم في ظفار وعودة المقاتلين إلى عُمان بعد أن سبقتهم الإصلاحات والتحديث وبناء الدولة في عُمان... وتذكرت اعتقال أعضاء القيادة في المهرة، وفي مقدمتهم أحمد عبد الصمد، والقيادة اليمينية كما كانوا يطلقون عليها... وتذكرت الجهود التي بذلناها لتطبيع العلاقات بين البلدين والشعبين وكيف وضع ذلك حداً للحرب وأسهم في صنع الأمن والاستقرار والتنمية في اليمن وعُمان والمنطقة. كانت بعض الذكريات تمر كالسحاب أو كالشريط السينمائي الآن، ولكنها في تلك الأيام كانت وقائع وأحداثاً ومواقف، وفي بعض الأحيان ربما كادت تؤدي إلى الحرب مجدداً.

مع رئيس الديوان ووزير القصر

ويواصل  الرئيس ناصر  حديثه  ويقول  :" بعد نحو ساعة من وصولنا، التقيت الفريق علي بن ماجد المعمري  رئيس الديوان ووزير القصر، ودار بيننا حديث ودي حول الماضي والحاضر، وامتدّ الحديث إلى المستقبل أيضاً. واستأثرت العلاقات عن الماضي بجزء من اللقاء وخصوصاً القطيعة التي استمرت منذ عام 1967م حتى عام 1982م، عام تطبيع العلاقات بين البلدين. قلت له إننا جميعاً نتحمل المسؤولية عن ذلك، وتطرق الحديث إلى الصعوبات التي واجهت عملية التطبيع، لأن هناك قوى كثيرة كانت ضد هذا التقارب بين البلدين، ولم يكن من مصلحتها أي انفراج في علاقات دول المنطقة لأنها كانت مستفيدة من حالة التوتر، سواء في اليمن أو خارجه. وجرى الحديث أيضاً حول أحداث كانون الثاني/يناير 1986م والتطورات الأخيرة في اليمن، وقدّرتُ لهم مبادراتهم هذه، وأكدنا ضرورة استمرار هذه الاتصالات والصلات الأخوية.

النصر والهزيمة في المتحف

ويستدرك  الرئيس ناصر حديثه قائلا :" رتب لي الأخوة العُمانيون زيارة المتحف العسكري الذي يعكس تاريخ عُمان وعراقتها منذ ما قبل الإسلام وبعده وحتى اليوم... إنه يلخّص تاريخ هذه البلاد العريقة التي حكمت ذات يوم جزءاً من شرق إفريقيا من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية. أخذ الدليل الشاب يقدم إليّ شرحاً مستفيضاً عن كل جناح من الأجنحة التي يضمها المتحف. ولكنني لاحظت عندما أصبحنا في جناح ظفار أنه أخذ يتحدث بنوع من الحذر والخجل عن الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات السلطانية على الجبهة الشعبية لتحرير عُمان، مشيراً إلى أسلحة الجبهة التي استولت عليها تلك القوات والتي كانت الآن معروضة في المتحف كجزء من التاريخ العسكري القريب لعُمان. وكان معظم هذا السلاح قد خرج من مخازن اليمن الديمقراطية أو دخل عبر أراضيها مقدماً من السوفيات ومن الليبيين. وبعد أن لاحظت الحرج الذي شعر به الضابط، ربما حرصاً منه على شعوري، قلت له:

لا عليك. لا تستعجل. استمرّ في الشرح كما كنت تفعل في بقية الأجنحة! ضحك مرافقي الذكي واللمّاح عبد الله راشد، ولكنه لم يعلِّق بشيء. استجاب الضابط لرغبتي، فأخذ يشرح بتؤدة، وأنا أتابع شرحه وأشاهد الأسلحة المعروضة، وأشعر بالألم، ليس بسبب الاستيلاء على هذه الأسلحة وهزيمة الجبهة الشعبية ومشروعها بتحرير عُمان والخليج العربي، بل لأنّ الصراع فيما بينهم أدى إلى هزيمتها، ولم يسمعوا نصائحنا بشأن العلاقة مع عمان بعد زيارة الشيخ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت. وتذكرت أن الصينيين كانوا أكثر واقعية من بعضنا عندما رفضوا تقديم الدعم إلى هذه الثورة قائلين: لا يمكن أن نساعد مجموعة من المقاتلين الذين لا يقفون على أرضهم! وكانت تلك إشارة إلى أن الجبهة تقف وتقاتل من داخل أراضي اليمن الديمقراطية، وليس لها موطئ قدم في عُمان، بعد عام 1975، كذلك فإنها لا تستند إلى قاعدة شعبية هناك، وهذا سر هزيمتها بعد الإصلاحات التي قام بها السلطان قابوس بعد عام 1970."

عدن الغد